الأضحية سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتوقف فضلها على توزيع لحومها على الفقراء فقط، ولكن فضلها عظيم يحصل به المسلم على ثواب كبير، وقد ضحى النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه بكبشين أملحين أقرنين، عنه وعن آل بيته، قال: اللهم هذا عن محمد وآله، وضحى عمن لم يضح من أمته صلى الله عليه وسلم.
فضلها وثوابها
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: «سنة أبيكم إبراهيم»، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: «بكل شعرة حسنةٌ» قالوا: فالصوف يا رسول الله، قال: «بكل شعرة من الصوف حسنةٌ» رواه ابن ماجه.
وفي حديث آخر أخرجه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
والأضحية إحدى الشعائر الإسلامية التي يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، لقوله تعالى: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32).
اظهار أخبار متعلقة
مشروعية الأضحية
ويستدل على مشروعية الأضحية في القرآن الكريم لقوله تعالى: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" [سورة الكوثر].
ويقول الإمام أبو حنيفة: إن الأضحية واجب، والواجب عنده فوق السنة ودون الفرض، فيرى أنها واجب على ذوي اليسار والسعة، الحديث "من كان عنده سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا"؛ فأخذ من هذا أنها واجبة.
فإن لم يثبت وجوبها فهي سنة مؤكدة وفيها فضل عظيم، فيثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
وقت الأضحية
يبدأ وقت ذبح الأضاحي من بعد صلاة العيد، بعدها تشرع الأضحية، وقبل ذلك لا تكون أضحية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل صلاة العيد أن يعتبر شاته شاة لحم، ليست شاة نسك، وليست شاة عبادة قُربة.. حتى لو تصدق بها كلها، فإنه يكتب له ثواب الصدقة ولا يُكتب له ثواب الأضحية؛ لأن التضحية عبادة، والعبادات إذا حد الشارع لها حدًا، ووقّت لها ميقاتًا؛ لا ينبغي أن نتجاوزه أو نتقدم عليه، كالصلاة.
ولكن جرت العادة في بعض البلدان الإسلامية من يذبح أضحيتنه قبل صلاة العيد، ويقول الفقهاء أن هذا خطأ، وتضييع للسنة وتضييع لثواب الأضحية، وإذا عرف؛ عليه أن يعيد الأضحية، خاصة إذا كان عليه نذر؛ فيجب عليه وجوبًا أن يعيد، فيبدأ من بعد صلاة العيد.
ويجوز أن يذبح في يوم العيد نفسه، وفي ثاني يوم وفي ثالث يوم العيد.. بل هناك قول بالجواز في رابع أيام العيد.. آخر أيام التشريق.
والأولى أن يذبح إلى الزوال، فإذا جاء وقت الظهر ولم يذبح؛ يؤخر لليوم الثاني، وبعض الأئمة يقولون: حتى بعد ذلك يصح الذبح ليلًا ونهارًا.
اظهار أخبار متعلقة
ما يجزئ في الأضحية
ما يجزئ في الأضحية هو: الإبل والبقر والغنم؛ لأنها هي الأنعام، فيصح أن يذبح أيًا من هذه الأصناف. والشاة عن الواحد، والمقصود بالواحد: الرجل وأهل بيته.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عن محمد وآله، وقال أبو أيوب: كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الرجل عن نفسه وأهله شاة واحدة، حتى تباهي القوم فصاروا إلى ما ترى. فهذه هي السنة.
وبالنسبة للبقر والإبل، فيكفي سُبع البقرة أو سُبع الناقة عن الواحد، فيستطيع أن يشترك سبعة أشخاص في البقرة، أو في الناقة؛ بشرط ألا تقل البقرة عن سنتين والناقة عن خمس سنوات، والماعز عن سنة، والضأن عن ستة أشهر. الضأن الجذع، أباح النبي عليه الصلاة والسلام ذبحه ولو كان عمره ستة أشهر، واشترط أبو حنيفة أن يكون سمينًا، وإلا أتم السنة. هذا ما يجزئ في الأضحية.
اختيار الأضحية
الأضحية هي ما تقدمه قربة لله تعالى، ويجب على المسلم أن يتخير قربته، فكلما كانت أسمن وأحسن كان ذلك أفضل؛ لأنها هدية إلى الله عز وجل، فلا يجوز أن يضحي بشاة عجفاء هزيلة شديدة الهزال، أو عوراء بيِّن عورها، أو عرجاء بين عرجها، أو ذهب أكثر قرنها، أو كانت أذنها مشوهة، أو ذات عاهة أيًا كانت هذه العاهة.. لا! إنما ينبغي على المسلم أن يقدم الشيء النظيف؛ لأنها هدية إلى الله سبحانه وتعالى فليتخير العبد ما يهديه إلى ربه، ومع أن الله سبحانه لن ينال لحومها ولا دماؤها، كما ورد في القرآن الكريم، ولكن يناله التقوى منكم، قال تعالى في سورة الحج: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
توزيع الأضحية
الأولى توزيعها أثلاثًا: ثلث يأكله الإنسان، هو وأهل بيته {فَكُلُوا مِنْهَا} وثلث لجيرانه من حوله، وخاصة إذا كانوا من أهل الإعسار أو ليسوا من أهل السعة، وثلث للفقراء.