كلمات من ذهب ينسبها البعض للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي "البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، ابن آدم اصنع ما شئت فكما تدين تدان"، لكن علماء الحديث أجمعوا على ضعفه، وأنه لم يرو عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يثبت مرفوعًا ولا موقوفًا عنه ، إلا أن هذه العبارات تحتوي على كلمات فاصلة، في أن الخير لا يضيع والذنب لا ينسى، فكل ما يقترفه الإنسان مردود عليه لا محالة.
فقد يجهل الكثير معنى الخير لا يبلى والشر لا ينسى والديان لا يموت، وهذا يعني أن الخير الذي يفعله الإنسان طيلة حياته يظل محفوظًا عند الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى.
قال الله تعالى في سورة "آل عمران": "(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (*) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (*) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (*) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) . آل عمران/190-194
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن استجابته لدعائهم فقال :(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران : 95 .
حتى وإن نسي الإنسان هذا الخير ولم يعد يتذكره، فالله جل وعلا قد نُزه عن النسيان.
والشر لا ينسى، أي أن الشر الذي تعرض له الشخص في مسيرة حياته لا ينساه الله سبحانه وتعالى، حتى يجازي الظالم على فعله ويعطي للمظلوم حقه كاملًا في الدنيا قبل الآخرة.
بل قد ينسى الظالم أنه قد تعرض للظلم، أما الخالق تبارك وتعالى وهو الحق والعدل كما ورد في أسمائه وصاته الحسنى، يحفظ لكل ذي حق حقه.
ففعل الحسنات والإحسان إلى الغير يعود على صاحبه بالخيرات الحسان في الدنيا والآخرة، وأنّه -كذلك- مِنْ أسبابِ دوام الثناء الجميل؛ يقول الإمام الشافعي:
قد مات قوم وما ماتَتْ فَضائِلُهم
وعاش قومٌ وهُمْ في النّاس أموات
وأنَّ فعل السيئات وإيقاع الظلم على الغير مآله الرجوع بالويلات على الظالم؛ فَدعوة المظلوم منصورة ليس بينها وبين الله حجاب؛ فقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى: (لأنصرنّكِ وَلو بعدَ حينٍ).
الديان لا يموت
والديان هو الله عز وجل، الذي حرم الظلم على نفسه، وحرمه بين عباده، ومن المعروف أن الموت هو الحقيقة التي لا يختلف عليها كل البشر، والموت في حق كل الكائنات حقيقة ثابتة، أما في حق المولى عز وجل فهو مستحيل.
ذلك أنه هو الحي الذي لا يموت كما قال عن نفسه.
من أين جاءت صفة الديان؟
ثبتَ في السّنّة الصحيحة إطلاق اسم الدّيان على الله تعالى من غير تقييد؛ فعن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:« يحشر الله العباد يوم القيامة أو قال الناس عراة غرْلًا بُهمًا. قالَ: قلنا: وما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شيء. ثمّ يناديهم بصوتٍ يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الدّيّان أنا الملك» حسّنه الألباني.
ويدلّ على أنه اسم من أسماء الله الحسنى لدلالته على ذات الله تعالى ومتضمن لصفته.
وفي معناه يقول صاحب القاموس المحيط (الديان معناه: القهار، والقاضي، والحاكم، والمجازي الذي لا يضيع عملا، بل يجزي بالخير والشر).
وقال الزمخشري في (أساس البلاغة):«والله الديان، وقيل: هو القهار، من دان القوم إذا ساسهم وقهرهم فدانوا له.
والديان هو صفة لله تعالى وحده دون أي أحد من العالمين، فكل الناس ملكهم زائل إلا هو عزو وجل
وفي ذلك يقول الشاعر:
فاعلمْ يقينًا أنّ مُلككَ زائل
واعلم بأنَّ كما تَدِين تُدانُ