وهناك عدد من العبادات غير محصورة الأجر بل ثوابها كبير عظيم لا يعرف مقداره وكنهها إلا الله وهذا لفضلها وكرمها وشرفها عند الله تعالى، ومن هذه العبادات ما يلي:

من العبادات التي اختص الله ثوابها بالخير المطلق عبادة الصوم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ("كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي". فليذهب العقل كل مذهب في تكهن فضل الله وثوابه على هذه العبادة الجليلة.

ومن هذه العبادات أيضا ثواب الحج والعمرة أمره عند الله عز وجلّ، على قدر ما أنفقت، وما أخلصت لله عز وجل، فـعَنْ عَائِشَةَ رضي الله -تعالى- عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَتِي: ("إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ").

وكذا عبادة النحر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لذاك الرجل: ("وَأَمَّا نَحْرُكَ؛ فَمَدْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ،...")، أما ما ذكر من أن أجر النحر  أن تأخذ بكل شعر منها فهذا لم يصح وهو إن كان ثواب عظيما غير انه محصور أما الحديث الصحيح  وفيه (وأما نحرك فمدخور لك عند ربك)، أكثر من عدد شعرها، وأكثر من صوفها، كم؟ مدخور عند الله سبحانه وتعالى، أعمالٌ أخفى الله سبحانه وتعالى ثوابها لعظمها وعظم قدرها.

أيضا عبادة الصبر عظيمة الأجر قال الله: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر: 10]. قال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" قال: كالماء المنهمر، وقال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال لهم، وإنما يغرف لهم غرفًا.

من العبادات التي يغفل عنه ربما كثير من الناس وهي من العبادات الجليلة عبادة ذكر الله يوم الجمعة من مغيب شمس يوم الخميس بدأت الجمعة إلى مغيب شمس اليوم الجمعة، هذا اليوم كله أربع وعشرون ساعة، الدعاء فيه عظيم جداً، وهذا ثوابه لا يعلمه إلا الله جل جلاله، فـعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام وَفِي كَفِّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءٌ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟! قَالَ: هَذِهِ") -أي النكتة السوداء- ("الْجُمُعَةُ؛ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ عزَّ وجل لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا، وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ، وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ")، -لهم السبت والأحد- ("قُلْتُ: مَا لَنَا فِيهَا؟") -ما الفضيلة في يوم الجمعة؟- ("قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ؛ مَنْ دَعَا رَبَّهُ عزَّ وجل فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ، أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وجل، أَو لَيْسَ لَهُ بِقَسْمٍ، إِلَّا ذُخِرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ؛ إِلَّا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ").

وعبادة الدعاء ثوابها عظيم فهي العبادة ففي الحديث الدعاء هو العبادة وهو من العبادات التي يجازي عليها الله أكثر مما يتمنى العبد ويريد؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ")، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: (إِذًا نُكْثِرُ!) قَالَ: ("اللهُ أَكْثَرُ").

وأيضا من الأعمال غير معلومة الثواب؛ الشهادة في سبيل الله جلّ جلاله، أن يموت الإنسان مقبلاً غير مدبر، مدافعاً عن دين الله سبحانه وتعالى، عن أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ».