المتابعة بين الحج والعمرة، يجعل العبد المؤمن كما الذهب الخالص، إذ ينفض عنه أي خبث أو ذنب تمامًا، كما يُطهر الحديد من الصدأ.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ»، أي ائتوا بكل منهما عقب الآخر، بحيث يظهر الاهتمام بهما وإن تخلل بينهما زمن قليل، أو قاربوا بينهما إمّا بالقِرَان أو التمتّع، أو بفعل أحدهما إثر الآخر.
والمُراد الاهتمام بهما وعدم الإهمال، ذلك أن أجرهما كبير وعظيم جدًا عن الله عز وجل، وهل هناك أعظم من أن تعيش في الدنيا كالذهب الخالص، وأن تضمن الجنة في الآخرة؟.. بالتأكيد لا.. إذن طالما تستطيع حافظ على النصيحة النبوية، والزم تتبع الحج بعد العمرة، والعمرة بعد الحج، فإن في الأمر فضل لا يكن وصفه.
لا تخش الفقر
قد يتصور البعض أن النفقات الكبيرة للحج والعمرة هذه الأيام، ستضر بدخله، وهو لا يعلم أن الحج بالأساس يزيد الرزق، كما بيّن الحديث النبوي الشريف السابق، ذلك بأن يبارك الله تعالى في رزق العبد، أو يرزقه غِنى النفس والقناعة، فيعيش في الظاهر عيش الفقراء، وفي الباطن يستمتع استمتاع الأغنياء، حيث فسر بعض السلف قوله تعالى: «ووَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى» (الضحى:8)، بالقناعة وغنى النفس، لأن الآية مكية، ولم يكن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يومها له شيء من المال.
وأما نفي الذنوب فمعناه محوها جميعًا وإزالتها، صغائرها وكبائرها، كما قال في الحديث الآخر: «منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ»، ويؤيد ذلك قوله بعد ذلك: «كَمَا يَنْفِي الكِيرُ» وهو ما ينفخ فيه الحدّاد لإشعال النّار، وما يفعل ذلك إلاّ لتصفية صحيح المعادن من زائفها، فكذلك الحجّ والعمرة، يصفّيان العبدَ من الخطايا والذنوب.
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةأجمل البشريات
أما أجمل البشريات التي يتضمنها الحديث الشريف، فهو دخول الجنة، وهل هناك أعظم من ذلك؟.. بالتأكيد لا.. وفي ذلك يقول أهل العلم: إن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه شيء من أي إثم، وقيل أيضًا هو المبرور أي المقبول، وقالوا: ومن علامات قبول الحج، أن يرجع العبد خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي.
فعلى هذا يكون المبرور من البر، والبر اسم جامع لكل خير، ويجوز أن يكون المبرور بمعنى الصادق الخالص لله تعالى، وفي عند أحمد وغيره، من حديث جابر مرفوعًا: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» قيل يا رسول الله: ما بر الحج؟ قال: «إطعام الطعام، وإفشاء السلام».