لاشك أن خير من ضُربت المثل في حب الله عز وجل هي السيدة رابعة العدوية، والتي وصفت بأنها (سيدة العاشقين) و(سيدة العشق الإلهي)، فكيف يمكن بنا السير على خطاها، ونصل إلى هذه المرحلة من العشق الإلهي، والارتباط بالله عز وجل بحب ليس كمثله حب.
فالمحبة كما قال أحد الحكماء (سر في القلب من المحبوب إذا ثبت قطعك عن كل مصحوب)، أي أن تنقطع عن كل من سواه، وترتبط فقط بالله عز وجل، ليقينك بأنك ستجد كل ما تتمناه عنده، ومن ثمّ فإذا لم تمل عن الأشياء فلازال ميلك لمحبوبك لم يكتمل، فإذا اكتمل مِلت له بكاملك ثم يميلك الله للأشياء لتراه في كل شيء.
فالله سبحانه لا يمكن إشراك أي شيء معه وإن كان حبك لابنك أو لأبيك، فالنفس البشرية جلبت على حب الآباء والأبناء، لكن على أن يكون حب الله أمرًا لا مثيل ولا شبيه له على الإطلاق.
أقفل قلبك
أغلق قلبك عن من سوى الله، تنل محبته ورضاه، أما إن أشركت معك غيره، خسرت الدنيا والآخرة، وهكذا كانت رابعة العدوية التي ما ملأ قلبها إلا حب الله عز وجل، فكانت تنشد وتقول: «عرفتُ الهوى مذ عرفت هواك *** وأغلقت قلبي عمن سِواكَ.. وكنت أناجيك يا من ترى *** خفايا القلوب ولسنا نراك.. أحبكَ حُبّيْنِ حب الهوى *** وحبّا لأنك أهل لذاك».
لذلك فإنه من استشعر على الدوام عظيم فضل الله عليه، عظم الله تعالى ما لا يعظم أحدا سواه، ومن تذكر كبير منة الله عليه، أحب الله تعالى ما لا يحب أحدا عداه، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ » (فاطر: 3).
لكن من أحب الله تعالى، ذكره ذكرًا كثيرًا وسبحه بكرة وأصيلاً، ومن أحب الله تعالى، أحب كلامه ما لا يحب كلام أحد سواه، وتلاه وتدبره ما لا يتلو ويتدبر كلام أحد عداه، فكيف بك عزيزي المسلم تحب الله وأنت تهجر قرآنه؟!.
جوامع الحب
أوتدري عزيزي المسلم، أن حبك لولدك أو لأبيك، لا ينهي عن حبك لله، وإنما هي أمور فطرية في قلوب العباد، لكن ما يضر منها هو الانشغال بها عن حب الله بالكلية، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ » (المنافقون: 9)، وقال سبحانه: « رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ » (النور: 37).
من بلغ هذه الدرجة من حب الله، نال بلاشك حب الله له، وقد أخبر تعالى بمحبته للطائعين له في الحديث القدسي فقال: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه».