في هذه الأيّام المباركة، بدأ الحجيج في التوافد إلى مكة المكرمة، استعداد لموسم الحج، وزيارة المسجد الحرام ورؤية المشاعر المقدسة، وامتلأت الأرجاء النورانية في مكة والمدينة بالموعدين من كلِّ فجٍّ عميق يلبّون نداءَ ربهم، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج:26-27]، يسابِقهم الشوق، ويحدوهم الأمل، طامعين في تكفيرِ الخطايا وبلوغِ الجنان.
وقد يغفل الغني عن ترك عبادة الله الواحد والقيام بأحد أهم أركان الإسلام الخمسة، ، يقول عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه: (من كانَ ذا مَيسَرة فمات ولم يحج فليمُت إن شاءَ يهوديًّا أو نصرانيًّا)، ورُوي مثلُه عن عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه . فليتّقِ اللهَ وليبادِرِ المستطيع قبلَ الفوات، ولو فاجأه العَجز أو الأجَل فلن ينفَعَه الاعتذار بالتهاون والكسل.
مكة رمز التوحيد ومغفرة الذنوب
وتعد مكّةُ المكرَّمة هي رمز التوحيد، حجَّ إليها الأنبياء وصلّى بها إمامُ الحنفاء إبراهيم عليه السلام،، وهي مركَز العالم ورَمز وحدةِ المسلمين ومَصدَر النور للعالمين، أفضلُ البِقاع عند الله، وأحبُّ البلاد إلى رسول الله صلّى وسلّم عليه الله.
وشرف الله مكة شرفًا على شرفها بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أرجائِها مشى وبكى شوقًا على فراقها، وفيها نزل جبريل عليه السلام بالوحي، وصدَع النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد من جبلِ الصّفا.
وقصدَ هذه البقاع الطاهرةِ في مكة، يكفّر الذنوبَ ويمحو الآثام، بل ليس للحجّ المبرور جزاء إلا الجنة، بحسب ما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم.
لذلك يشتاق ملايين المسلمين لزيارة مكة وزيارة بيت الله الحرام، ورؤيةَ جبل عرفات الذي تتنزل به الرحمات، والمبيت في مزدلفة أو المزاحمةَ عند الجمرات أو الطواف بالبيت وسَكب العبرات، ففيها تنزل الرحمات وتُقال العثرات وتُستَجَاب الدعوات.
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبرمنزله الحاج عند ربه
وتعد منزلةَ الحجّ عند الله عظيمة، ومكانتَه في الدين كبيرة، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
وروى أبو هريرةَ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "العمرةُ إلى العمرة كفّارةٌ لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جَزاءٌ إلا الجنّة" رواه البخاريّ ومسلم.
وفي الصحيحين أيضًا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله عزّ وجلّ"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهادٌ في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الحجّ المبرور".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابِعوا بين الحجّ والعمرةِ؛ فإنهما ينفِيان الفقرَ والذنوب كما ينفي الكير خبَثَ الحديد" رواه أحمد والترمذي بسند صحيح، وفي الصحيحين أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع كما ولدَته أمه" أي: نقِيًّا من الذنوب والخطايا، هذا معَ مُضاعفة الحسناتِ ورِفعة الدرجات.
وعن جابرٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: "صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة" رواه أحمد والبخاري .
فهذه هي الحسنات التي يحصل عليها المسلم خلال الصلاة في الحرم المكي أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فمابالنا بالوقوف في عرفات، والازدلافِ عند المشعر الحرام، والتقلّب في فجاج مِنى، والطوافِ بالبيتِ وبين الصفا والمروة، ورمي الجمرات، وكلُّ ذلك من مواطنِ الرّحمة وإجابة الدعاء.
يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما مِن يومٍ أكثر من أن يعتِق الله فيه عَبدًا من النار من يومِ عرفة، وإنّه ليدنو ثم يباهِي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟" رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
فالمسلم في الحج يريد رحمةَ ربه وجنّتَه، ومغفِرة ذنوبهم والعتق من النار، فقد ترك المسلمون بلادهم في أقاصي الدنيا وأطراف الأرض، تركوا أهلهم وأوطانهم، وأنفَقوا كل ما يستطيعون للوصول إلى هذه الأماكن الشريفة، في وقت ترى فيه بعضَ الموسرين القادرين يتكاسَلون عن أداءِ فريضة الإسلام، ينفِقون أموالهم ويضيِّعون أوقاتهم في السفر والنزهة واللهو والغفلة ولم يحجوا مرة واحدة.
فقد يغفل الغني عن ترك عبادة الله الواحد والقيام بأحد أهم أركان الإسلام الخمسة، ، يقول عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه: (من كانَ ذا مَيسَرة فمات ولم يحج فليمُت إن شاءَ يهوديًّا أو نصرانيًّا)، ورُوي مثلُه عن عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه . فليتّقِ اللهَ وليبادِرِ المستطيع قبلَ الفوات، ولو فاجأه العَجز أو الأجَل فلن ينفَعَه الاعتذار بالتهاون والكسل.
فزكاة النفس وحصول التقوى يكون حينَ يقبِل المسلم على عبادَته بخشوع، مخِلصا لربه، لذلك على المرء أن يطهر عمله ويتسابق على التوحيد والعبادة، فهو سِمَة بارزة في الحج، وهو إعلان للتوحيد الذي هو شعار الحج: "لبّيكَ اللّهمّ لبيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنّعمة لكَ والملك، لبيك لا شريكَ لك"، وقد قال سبحانه: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203]، وقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) [البقرة:198]، وقال عزّ من قائِل: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) [البقرة:200]، وقال سبحانه: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج:28].