يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» (إبراهيم 19)، فلو تدبرنا قليلاً هذه الآية، سنجدها أعظم الآيات في توضيح العلاقة مع رب العالمين.
إذ أن الإنسان سيرى أن علاقتنا بالله عز وجل ليست علاقة جبرية، ذلك أنه سبحانه وتعالى خلقنا باختياره ومحبته، ولم يجبره أحد أبدًا على ذلك، وبالتأكيد لم يتوسط لك عنده أحد ليخلقك، ولا حتى سيدنا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وإنما خلق الله الجميع بمحض إرادته فقط سبحانه، بل أنه سبحانه يبين في آية أخرى أن ذلك ليس بعزيز عليه، أي ليس بالصعب، فكما خلقنا في الأول يستطيع أن يمحونا من الوجود ويأتي بغيرنا ( وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍۢ).
الاستغناء بالله
عليك أن تعي جيدًا أن الله عز وجل، يستطيع الاستغناء عنك وعنا وعن كل ما خلق، ذلك أنه القادر على أن يبدل ويغير ما يشاء وقتما شاء، (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون)، بمجرد أن يقول كن، بل وبين الكاف والنون، يفعل الله ما يشاء، ويبدل وعنده كل شيء بمقدار، ولمّ لا وهو الذي قال: «ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُۥ بِمِقْدَارٍ».
وبالتالي إن أراد هو سبحانه سيأتي بخلق جديد في غمضة عين، وحتى لا نكون من المهلكين، كالأمم السابقة، علينا بتقوى الله في كل أعمالنا، فالأمر جلل، والتوبة الآن سهلة، بينما بعد ثواني لا ندري، كيف يبدل الله الدنيا من حال إلى حال؟، لأن الأمر هين جدًا عليه، ولا يحتاجنا في شيء أبدًا، بينما نحن من هم في أمس الحاجة إليه سبحانه، إلا أن كثيرًا من الناس يغفلون عن ذلك.
اقرأ أيضا:
عزازيل صاحب النوايا الخبيثة.. قصة الشيطان من الأسر للغوايةالاستغناء عن الناس
اعلم يقينًا أن عز المؤمن في استغنائه بالله عن الناس، مهما كانت حاجته للناس، فإن الله عز وجل قادر على أن يعوضه، بينما الناس لا حول لهم ولا قوة، يبين ذلك حديث سهل بن سعد، قال: جاء جبريل عليه السلام، إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس».
ولقد ربى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أصحابه على الاستغناء عن الناس، وعدم طلب الحوائج من الناس، فكان يبايع بعض أصحابه على الاستغناء عن الناس، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة؛ فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا - وأَسَرَّ كلمةً خفية - ولا تسألوا الناس شيئا»، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.