الحقد صفة من صفات البشر، ربما تكون لها صلة بأسباب مثل النجاح والتفوق، حيث تنشب الغيرة بين الزملاء في العمل أو الدراسة نتيجة تفوق أحدهم على الأخر، وإما أن تكون بسبب لنعمة أنعم الله بها على شخص، سواء كان بكثرة المال أو الشهرة، فيتمني أحدهم زوال النعمة من صاحبها، فكيف تنجو من حقد الناس عليك؟.
ورد عن عطاء بن أبي مسلم الخرساني أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ".
ويقول الله – عز وجل-: { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } (سورة الأعراف: 200-201).
ومن أهم الوسائل التي يستعيد بها المؤمن ود أخيه ويستجلب المزيد من عطفه عليه كثيرة، منها ما ذكره النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في هذه الوصية، في قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ" وسيلة من أعظم الوسائل في تطييب النفوس وإزالة ما بها من حقد وعداوة وشحناء.
فإذا ما تصافح المؤمنون بالأيدي، فكأنهم تعاهدوا على الحب والود والإخاء من جديد، واتصال الأيدي سبب في اتصال القلوب، فما دام المؤمنان التقيا على الخير وطاب كل منهما نفساً أن يضع كفه في كف أخيه – فقد تأكد لديهما أن العداوة قد ذهبت عنهما، وما عليهما إلا أن يتعاتبا إن كان هناك داع للعتاب، أو يصفح أحدهما عن الآخر بغير عتاب.
كما أن المعنى الثاني للمصافحة: هو الصفح الجميل، وهو التجاوز والتسامح والعفو وما في معناه.
اقرأ أيضا:
سلم أمرك لله.. كل شيء يحدث في أرض الله بمقدور الله فقد أخرج البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود بسند صحيح، عن أنس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ حَيَّانَا بِالْمُصَافَحَةِ.
ومن يومها أخذ الصحابة يتصافحون بالأيدي، لما وجدوا فيها من الأنس وإظهار الحب، والتجاوب الوجداني.
وروى أحمد وأبو داود أن رجلاً سأل أبا ذر– رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ؟ قَالَ: مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلَّا صَافَحَنِي.
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: "كَانُوا إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا، وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا"
وفي الترمذي عن أنس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: "لَا"
قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ، قَالَ: "نَعَمْ".
فيجب على المسلم أن يلقى أخاه عند المصافحة بالبشاشة والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رسول اللَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".
وجاء في كتاب ابن البستى عن البراء بن عازب – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "إِنَّ المُسْلِمَيْنِ إِذَّا التقيا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدّ، ونصحية، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بينهما". وقد أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما أيضاً.
كما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ".
والهدية لها في النفوس سحر خاص، فهي تهدي إلى البر والمحبة، وتدفع بلطف إلى التعاون على البر والتقوى، وكأنها في ذاتها هدى إلى طريق الخير والألفة، فمن أهدى لأخيه شيئاً برضا. وطيب نفس، فكأنه وضع له على طريق الخير معلماً يهديه إليه ويعرفه به.
والهدية تسبق المصافحة وتمهد لها في كثير من الأحيان، وقد تأتي بعد المصافحة لإزالة ما بقي بعدها من آثار الغل والشحناء.
وقد كانت بلقيس امرأة بلغت من الذكاء ما يثير العجب، وكان من ذكائها أنها أرادت أن ترد سليمان – عليه السلام – عن بلادها بالهدية؛ لأنها تعلم أن للهدية تأثيراً بليغاً في النفوس، وأنها رسول سلام بين الناس، فقالت – كما حكى القرآن عنها -: { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } (سورة النمل: 34-35).