إذا تعرض مسلم لإهانة من سب أو لعن أو شتيمة له أو لأحد أصوله أو فروعه ربما وقع في حرج إن كان لا يدري كيف يأخذ حقه.. فهل يسب من سبه أم يعفو وعنه وهذا هو المشهور؟
موقف الإسلام ممن أساء إليك:
لم يترك الإسلام المسلم في حرج بل رفع عنه الحرج وشرع له ما ينال به حقه دون تعدٍ عليه إنسان فقد شرع القصاص بأن يرد عليه بمثل ما اعتدي به عليه دون زيادة وعليه يكون الرد على السابّ والشاتم بمثل قوله، هو من القصاص المباح، من حيث الأصل وإن فضل العفو.
كيف نرد الإساءة بمثلها؟
ورد الإساءة بمثلها يكون مباحا إن كانت بالمثل دون زيادة، وبألا يكون السبّ مشتملًا على محرم لحق الله -كالقذف، والافتراء-، وألا يكون فيه اعتداء على غير الظالم -كشتم الأب، أو القبيلة-، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}، وقال سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.
وقد قال القرطبي رحمه الله في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وذلك أن المباح في الانتصار: أن يرد مثل ما قال الجاني، أو يقاربه؛ لأنه قصاص، فلو قال له: يا كلب - مثلًا - فالانتصار أن يرد عليه بقوله: بل هو الكلب، فلو كرر هذا اللفظ مرتين أو ثلاثًا؛ لكان متعديًا بالزائد على الواحدة؛ فله الأولى، وعليه إثم الثانية، وكذلك لو ردّ عليه بأفحش من الأولى، فيقول له: خنزير -مثلًا- كان كل واحد منهما مأثومًا؛ لأن كلًّا منهما جارَ على الآخر، وهذا كله مقتضى قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}.
مشروعية القصاص وأخذ الحقوق ممن أساء:
ومما يدل على مشروعية أخذ الحقوق دون تعد ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المستبّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتدِ المظلوم. أخرجه مسلم،
وكل ما ذكرناه من جواز الانتصار إنما هو فيما إذا لم يكن القول كذبًا، أو بهتانًا؛ فلا يجوز أن يتكلم بذلك لا ابتداء، ولا قصاصًا. وكذلك لو كان قذفًا، فلو ردّه، كان كل واحد منهما قاذفًا للآخر، وكذلك لو سبّ المبتدئ أبا المسبوب، أو جدّه، لم يجز له أن يردّ ذلك، لأنه سبٌّ لمن لم يجنِ عليه؛ فيكون الرد عدوانًا، لا قصاصًا.
وقال ابن تيمية في السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: والقصاص في الأعراض مشروع أيضًا، وهو: أن الرجل إذا لعن رجلًا، أو دعا عليه، فله أن يفعل به كذلك. وكذلك إذا شتمه بشتمة لا كذب فيها، والشتيمة التي لا كذب فيها، مثل الإخبار عنه بما فيه من القبائح، أو تسميته بالكلب، أو الحمار، ونحو ذلك.
فأما إن افترى عليه، لم يحلّ له أن يفتري عليه، ولو كفّره، أو فسّقه بغير حق، لم يحلّ له أن يكفّره أو يفسقه بغير حق.
ولو لعن أباه، أو قبيلته، أو أهل بلده، ونحو ذلك؛ لم يحلّ له أن يتعدّى على أولئك؛ فإنهم لم يظلموه.
العفو عن المسيء له فضل عظيم:
والعفو أفضل، قال الله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين}، {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}، لكنه حبب في الوقت نفسه التسامح والعفو ابتغاء رضا الله في غير مذلة ولا إصغار ولا تقليل من شأنه بل يترك الرد بالإساءة في غير ضعف ابتغاء رضا الله تعالى.