في ظل هذه الظروف الحالكة والأوضاع المعيشية الصعبة، واكتئاب أكثر الناس في مسعاهم للبحث عن الرزق، ترى غالبية الناس في الطرقات والشوارع وفي العمل وفي البيت، تملأ وجوههم المشاعر اليائسة والحزن، وترى الناس سكارى وماهم بسكارى، فربما تتحدث مع زميلك في العمل، أو تتحدثين مع زوجك في البيت، وهو لا يسمعك، "فرب منتصت والقلب في صمم"، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي.
لا تستصغر حزنه فقد تقتله بضغطك عليه
والإنسان في ظل هذه الظروف أفضل ما يهون عليه، أن تلتمس له العذر ولا تضغط عليه، ولا تلح عليه في السؤال، فقد ترى المرأة زوجها مشغولاً أو هائمًا على وجهه، ولا تترك له فرصة أن يختلي بنفسه، او يعيش مع أحزانه، أو يعمق التفكير في فرص حل مشكلاته ومشكلات أسرته من توفير الرزق والكسب الحلال، فلا يحلو لبعض الزوجات لها أن تلح على زوجها في شيء أو تسأله عن شيء أو تطلب منه شيئًا، إلا وهو في هذه الحالة.
وبعض الزملاء في العمل لا يرحمون زملائهم، بالرغم من معرفتهم بمشكلاتهم، فتراهم بدلاً من أن يقفوا في صف عونهم، يتحولون للضغط عليهم، وإثارة المشكلات في وجوههم، والمكيدة بهم والتآمر عليهم، وكأنهم انتهزوا فرصة ضعفه وتكالبوا عليه كالذين تكالبوا على الثور بالسكين حينما أوقعوه على الأرض.
إلا أن الأكثر ألمًا من هذا، أن تستيقظ صباح يوم عملك، وتذهب لمحل وظيفتك، لتفاجأ ببكاء بعض زملائك، وقد علموا أن هذا الزميل الذي كنت تضغط عليه وتكيد به، قد توفاه الله، لعدم تحمله هذه الضغوط المعيشية التي كنت أنت سببًا في بعضها.
كما أن الزوجة التي تلح على زوجها كل يوم وهي تعرف أن راتبه معلوم، وكيف يحرم نفسه من الطعام طوال اليوم في عمله ليوفر نفقات ورزق أبنائه وتعليمهم، قد تترمل وتيتم أبنائها، وتضطر للعمل في البيوت وعند أرازل البشر، بعد أن تفقد زوجها الذي كانت سببًا في ضغطه بالسؤال عن المال في كل كبيرة وصغيرة، ونسيت أن البيوت تنجح بالمرأة المدبرة، التي تكتفي بالقليل من الحلال، وتحاول أن تتكيف به هي وأبنائها مع ظروف زوجها، لطالما علمت أنه لم ينفق ماله في أي شيء سوى على أسرته، وأن ما يكسبه هو أقصى ما تسمح له به ظروفه وجهاده في عمله.
ابتسم في وجهه وارحمه
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
الحب والرحمة هي سبيل الفقراء في أن يستكملوا معيشتهم، فتبسكم في وجه أخيك صدقة، فأنت لا تدري ابتسامتك ورحمتك به قد تكون سببا في إنقاذه، والمؤمن يؤجر على تلك البسمة التي يهبها لأخيه بنية صالحة، ففي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"؛ رواه الترمذي.
وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق"؛ رواه مسلم.
فاحرِص على أن تعامل هؤلاء المساكين بوجه بشوش، وتذكر أن تلك البسمة ستنال عليها ثواب الصدقة، فهو أجر عظيم على عمل يسير، فلا تضيع ذلك الأجر من نفسك، ولا تنسَ أن تنوي ذلك وأن تحتسب الأجر، والله يضاعف لمن يشاء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"؛ رواه مسلم وأبو داود.
وقد زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأكيد أهمية إفشاء السلام حتى جعله من حق المسلم على المسلم، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"؛ رواه البخاري.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حقُّ المسلم على المسلم ست، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه".
ودعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم لإلقاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف: ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"؛ رواه البخاري ومسلم.
وجعل الله بذل السلام من موجبات المغفرة، ففي الحديث الصحيح للطبراني قال: "قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام".
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبر