قال مركز الفتوى بإسلام ويب: ليس ما ذكرته صحيحا بالمرة، فإن الله تعالى يرغب المؤمنين في نعيم الجنة بنوعيه الحسي والمعنوي.
ففي الجنة ما ذكرته من النعيم، وفيها فوق ذلك النعيم المعنوي، وهو أعلى نعيم أهل الجنة، فإنهم متنعمون ملتذون بذكر الله تعالى وتسبيحه وتحميده، وتلك من أعظم لذائذهم، قال تعالى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {يونس:10}.
ومن نعيمهم كذلك تذاكرهم منة الله عليهم، وإحسانه إليهم، حيث يقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {الطور:26-27}.
وأعظم نعيمهم هو قربهم من الله، وتمتعهم بالنظر إلى وجهه الكريم، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:22-23}، وقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ {يونس:26}. والحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى.
مركز الفتوى تابع قائلًا: فزعمك أن الله لا يرغب أهل الجنة فيها إلا بالنعيم الحسي، كلام منكر ناشئ عن عدم معرفة بنصوص الشرع، بل إن قربهم من الله تعالى هو أعلى نعيمهم، كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {الواقعة:10-11}.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى، مزيلا هذا الإشكال الذي عرض لبعض الناس: فالرجاء وإن تَعَلَّقَ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَالْجَنَّةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ نَعِيمٍ، وَأَعْلَاهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ اللهِ. كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صهيب عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ. يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ ينجزكموه. فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَيُنْجِينَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ}، وَهُوَ الزِّيَادَةُ.
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ زَوَالُ الِاشْتِبَاهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا عَبَدْتُك شَوْقًا إلَى جَنَّتِك، وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِك؛ وَإِنَّمَا عَبَدْتُك شَوْقًا إلَى رُؤْيَتِك.
فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ ظَنَّ هُوَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا إلَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَاللِّبَاسُ وَالنِّكَاحُ وَالسَّمَاعُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ التَّمَتُّعُ بِالْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا يُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُنْكِرُ رُؤْيَةَ اللهِ مِنْ الْجَهْمِيَّة، أَوْ مَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَا تَمَتُّعَ بِنَفْسِ رُؤْيَةِ اللَّهِ كما يقوله طائفة من المتفقهة، فهؤلاء متفقون على أن مسمى الجنة والآخرة لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا التَّمَتُّعُ بِالْمَخْلُوقَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ غَلِطَ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، قَالَ فَأَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اللهَ؟ وَقَالَ آخَرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، قَالَ: إذَا كَانَتْ النُّفُوسُ وَالْأَمْوَالُ بِالْجَنَّةِ، فَأَيْنَ النَّظَرُ إلَيْهِ؟
وَكُلُّ هَذَا لِظَنِّهِمْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا النَّظَرُ.
اقرأ أيضا:
بناء مسجد أولى أم بناء بيت للأولاد؟اقرأ أيضا:
فرض غرامة على المشتري الذي يتأخر فى السداد.. هل يجوز؟وَ "التَّحْقِيقُ" أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الدَّارُ الْجَامِعَةُ لِكُلِّ نَعِيمٍ، وَأَعْلَى مَا فِيهَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِ اللهِ، وَهُوَ مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي يَنَالُونَهُ فِي الْجَنَّةِ. كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ.