يتساهل بعض المسلمين في أكل الربا، معتبرًا أنها من التجارة والذكاء، على الرغم من علمه علم اليقين أنه يتاجر في دماء ولحوم الناس وأرزاقهم، خاصة إذا كان يخرج بعض الناس أموالهم على سبيل الاقتراض بفائدة ربوية، كأن تقترض من أحد أصدقائك مبلغًا وحين الرد يطالبك بأن ترده عليه بفائدة محددة.
كما تتعدد صور الربا، من خلال اللجوء إلى بعض المعاملات الربوية دون أي داع لها، كأن تقترض بفائدة من أجل شراء موبايل حديث، أو شراء النساء لقطعة اكسسوار ذهبية، أو أشياء من قبيل الزينة، بل إن هناك بعض الناس من يذهب لشراء بعض السلع المرتفعة الأسعار من خلال نظام التقسيط، ثم يقوم ببيعها فوري، ليحصل على السيولة التي يرديها، ولكن على حساب ديون لاتنتهي، يضطر معها في النهاية إلى النصب على الدائنين بعد أن ينفق هذا المال الذي تحصل عليه، ويفشل في سداد دفعات التقسيط وهو ما يسمى بنظام "الحرق".
والربا جريمة أعظم من السرقة ومن ذنوب كثيرة فاحشة مثل الزنا، فالربا هو تحدي لله ورسوله، وقد لعن صاحبها في الكتاب والسنة، حتى أن الله سبحانه لم يعلن الحرب على مرتكب كبيرة صراحة إلا على آكل الربا حيث قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } (سورة البقرة: 278-279).
وقال تعالى واصفا المرابين يوم القيامة: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } (سورة البقرة: 275).
فهم يقومون من قبورهم كالمجانين من شدة الفزع والهلع بطونهم أمامهم كأنها جبل أحد كما جاء في بعض الأخبار.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم عقاب المرابين يوم القيامة، وبشاعة ما هم عليه في قبورهم فقص على أصحابه رؤيا طويلة في منامه، فروى البخاري عن معمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى شطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ: مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ؟ قَالَا: آكِلُ الرِّبَا".
وروى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُم سواء".
اظهار أخبار متعلقة
من هو المرابي وماهو الربا؟
الربا أن يقرض رجل غيره مبلغاً من المال بزيادة يدفعها المقترض في نظير الأجل.
قال الله عز وجل: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } (سورة البقرة: 276).
وعرض الله بالمرابين في قوله: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }، إذ المرابي شديد الكفر بالنعمة.
والمرابي هو من بخل بحق الله واستعمل المال في غير وجهه، وقسا على من يستحقون الرحمة والعطف، وأشتد طلبه للدنيا حتى نسى الآخرة تماماً، فأحل نفسه بحماقته وكفره دار البوار.
حرمة الربا
حرم الله الربا، وشدد النكير على آكله، وموكله وكل من تسبب فيه؛ لما فيه من استغلال فاحش لذوي الحاجات، ولما فيه من قطع لما أمر الله أن يوصل، فأولوا الأرحام لهم حقوق أدناها قضاء حوائجهم بقدر الطاقة والوسع، وللفقراء والمساكين حقوق أدناها سد عوزهم وستر عوراتهم وإشباع بطونهم، وللمسلم بوجه عام على أخيه المسلم حقوق أدناها أن يكون رحيماً به عطوفاً عليه، محسناً إليه، ولو بالقليل من ماله وجهده.
والتعامل بالربا تعطيل للمال الذي ينبغي أن يستغل في رفع الإنتاج، وتشغيل العاملين وهو ربح بلا مقابل، وبلا مبرر يقتضيه.
والمرابي من أسوأ الناس حالاً، وأتعسهم حظاً، وأخبثهم طبعاً ووضعاً في الدنيا، وأسوأهم مآلاً في الآخرة.
قال تعالى: { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } (سورة النساء: 160-161).
وقال تعالى: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ } (سورة الروم: 39).
وقال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } إلى قوله جل وعلا: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } (سورة البقرة: 275-279).