يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
وإذا كانت الشياطين تقيد في رمضان فلماذا تستمر المعصية؟
يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
إن المعنى المادي للفتح والإغلاق والتقييد بالسلاسل، ليس هو المقصود من الحديث الشريف، فلا أعتقد أنها تفتح وتغلق كما نفتح نحن أبواب بيوتنا ونغلقها، ففتح أبواب الجنة يعني كثرة الطاعات التي تفتح للناس أبواب الجنة.
ففي رمضان الصوم طاعة، والصوم فيه التزام بالطاعة، لأنك وأنت صائم تبتعد عما يغضب الله من الغيبة والنميمة والسعي بين الناس بالفساد، وتتقرب إلى الله بالطاعات وقراءة القرآن الكريم، كما تكثر الصدقات في رمضان وكذلك أفعال الخير، ويبتعد الناس عن أماكن اللهو والمعصية، وتمتلئ بهم المساجد، فكل عمل من أعمال الطاعة هذه، هو باب من أبواب الجنة التي تفتح لك وهذا معناه أن هذه الأعمال تقربك من الجنة وتفتح لك أبوابها واحداً بعد الآخر.
كذلك إغلاق أبواب النار فهو يتمشى مع نفس المعنى، فالناس في شهر رمضان أو على الأقل الصائمون منهم، يبتعدون عما يغضب الله، وعن المعاصي، فكلما ابتعدوا عن معصية، قفلوا بابًا كان سيؤدي بهم إلى النار• وهكذا تغلق أبواب النار واحدًا بعد الآخر، وتفتح أبواب الجنة واحدًا بعد الآخر حتى يستطيع المؤمن بالعمل الصالح خلال شهر رمضان، أن ينجو من النار ويدخل الجنة، وهذا هو معنى فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار.
أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وصفدت الشياطين" أو "وسلسلت الشياطين"، فمعناه أن الشياطين سُلبت منافذ الشهوة في الإنسان، أو منعت منها فلم تعد تستطيع أن تزين للإنسان المعصية، أو على الأقل الإنسان المؤمن الصائم، فنحن هنا نتحدث عن المؤمنين، ولا نتحدث عن غيرهم من البشر.
كيف تصفد الشياطين وتستمر المعصية؟
وهنا لنا وقفة فبعض الناس يسأل: إذا كانت الشياطين قد صفدت أو قُيدت في رمضان، فلماذا لا تختفي المعاصي تمامًا في هذا الشهر الكريم؟
نقول إن المعاصي شقان، شيطان يزين ونفس تأمر بالسوء والمعصية، فإذا كانت الشياطين قد سلسلت في رمضان، أي مُنع تأثيرها ووسوستها في أذن المؤمن، فإن النفس التي تأمر بالسوء مازالت موجودة، وشهوات الإنسان ورغباته مازالت داخل نفسه.
وهنا نعرف أن المعصية في شهر رمضان بالنسبة للمؤمنين، هي معصية من النوع الثاني، أي النوع الذي تأمر فيه النفس صاحبها بفعل السوء، فإذا كانت منافذ الشهوة قد سدت أمام الشيطان، فالمعصية حينئذ تكون من النفس، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز في سورة يوسف، على لسان امرأة العزيز: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم".
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليهاالنفس الأمارة بالسوء
وهكذا نرى أن النفس تأمر صاحبها بالسوء، ولولا ذلك، لما كان الإيمان جهاد النفس على طاعة الله وعدم المعصية، ولو أن كل نفس تأمر صاحبها بالخير، وتسد أمامه منافذ الشهوات، ما جاءت الرسل لتبين للناس منهج الله، وما قامت الصراعات التي نراها بين الخير والشر، مما نراه ونعرفه في الدنيا.
إذن فمعنى أن الشياطين تحبس أو تسلسل، ليس معناه اختفاء المعصية تماماً، وإنما معناه أننا نعرف في هذه الحالة أن المعصية التي نراها، هي من شهوة النفس ومن تطلعها إلى المعاصي، ولذلك فإن المعصية تقل في رمضان إلى حد كبير ويزيد الخير واتباع منهج الله، ولكن المعاصي لا تختفي تمامًا.
وهذا معناه أن الشيطان قد فقد المنافذ التي يزين من خلالها للإنسان المعصية، ووجود المعصية يبين لنا أنه مازالت هناك عناصر باقية تدعو إلى معصية الله مثل النفس التي تريد أن تطلق لشهواتها العنان، ومثل رفقاء السوء من الإنس الذين يزينون للناس المعصية، فهؤلاء موجودون في رمضان، ويؤدون دورهم التحريضي على المعصية.