يتثاقل الكثير من الناس في شهر رمضان إلى العبادة، خاصة في القيام لصلاة التراويح وقراءة القرآن، وذكر الله، وحفظ العين والجوارح عما حرم الله، فترى بعضنا يضعف بسبب شهواته أمام أول امرأة يراها وهو ينطلق في الطرقات، فلا يستطيع حفظ جوارحه، لأنه لم يتعود على ذلك، وإذا به يجد زخمًا من الطاعات.
فالصيام الذي لم يكن تعود عليه طوال النهار، وقراءة القرآن كل يوم وهو الذي ربما كان تمر عليه الشهور ولم يكن يقرأه، وصلاة التراويح كل ليلة في رمضان وهو الذي ربما كان يقصر في بعض الفروض، وكذلك أذكار الصباح والمساء التي لم يتعود عليها، وكثرة الصدقات وغيرها من الطاعات الكثيرة التي قد تجد النفس صعوبة في فعلها.
لذلك قد يشعر بعض الناس بالإحباط، من استكمال طاعاته، بل ترى بعضنا لا يتحرج من أن يعلن على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي أنه سأم من استمرار شهر رمضان ويتمنى زواله ببلوغ هلال عيد الفطر، في الوقت الذي يقدس المسلمون شهر رمضان لمنزلته ويتمنون أن تكون السنة كلها رمضان، فمثل هذا الشعور قد يجعل الإنسان لا يقوى على إكمال تلك الطاعات بأكملها، اللهم إلا أن يصوم الشهر ويصلي الفرائض، وهو بحاجة إلى محفزات تجعل تلك الطاعات مع كثرتها محببة إلى نفسه؛ ليقوى عليها.
كيف تحفز نفسك على الطاعة؟ وكيف تسعد في معية الله؟
1/استعن بالله ولا تعجز ولا تيأس، بل اجعل عبادتك قوة روحية تقوي بها صلتك بالله عز وجل، فلا يعين العبد عليها إلا الله سبحانه، وكلما وجد العبد في نفسه مشقة لأداء طاعة من الطاعات، فعليه أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن ييسر له فعل الطاعات، وأن يعينه على ذلك.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يسألوا الله العون على طاعته، كما أخرج النسائي وأبو دواد عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعن في كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
2/ الإقبال على الله بمزيد من العبادة، فذلك أدعى أن يبعد عنك الشيطان الذي يثقل عليك عبادتك، فحين يتذكر الإنسان عند إقباله على الطاعة أنه يفعله لله تعالى فيسهل عليه أداؤها، وفرق بين أن يفعل الإنسان الطاعة لأنها واجب عليه أداؤها ، مثل أي عمل يجب عليه فعله، وبين أن يقصد به وجه الله تعالى، وأنه يتوجه بها لله رب العالمين، فساعتها يستشعر لذة في أداء الطاعة، لأنها تكون عن حب، فإن فعلها عن حب سهلت عليه، قالالله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: 31].
3/ جاهد نفسك على ترك الهوى والشهوات كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، ومجاهدة النفس نوع من السياسة، تحتاج إلى أن لا يترك الإنسان لنفسه الحبل على الغارب، ولا أن يشد عليها فتنفر من الطاعة، فهو يسوسها في فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات، كما أنه لا يحرمها المباحات بالقدر الذي لا يخرجها عن طاعته، والنفس لها ميل وانهماك إلى الشهوات، كما أنها تحب الامتناع عن الطاعات، فالمجاهدة تكون بحملها على فعل الطاعة وترك الشهوة.
اقرأ أيضا:
تنال بها المغفرة .. 10 سنن وأعمال مستحبة في ليلة الجمعة ويومهاوقد جعل الإمام ابن القيم – رحمه الله- مجاهدة النفس على أربع مراتب في زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 9)، هي:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات. الحقّ ويعمل به ويعلّمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّموات .
4/ طاعة الله في جماعة خير معين عليها، خاصة وأن الإنسان يتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم، وكثير من الناس يكون تبعا للغالب الموجود المنتشر في المجتمع، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فإن وجد الناس يحافظون على الطاعات كان معهم، وإن كان الغالب الشر ربما شاركهم في بعضه ، إن لم ينغمس معهم فيه، ولأن الجماعة من أهم وسائل عون الإنسان على طاعة الرحمن، كان خطاب الله تعالى للمسلمين بصيغة الجماعة، وهو كثير جدا في كتاب الله تعالى، وقد جاءت السنة النبوية تحث على العمل الصالح في جماعة، فالصلاة في جماعة، والصيام يكون في جماعة، والحج يؤدي في جماعة، حتى الزكاة فيها معنى الجماعة، وصلة الرحم جماعة، وغالب العبادات تكون في جماعة، فمن استصعب شيئا من الطاعات، فليجعل أداء تلك الطاعة في جماعة وصحبة؛ فيسهل عليه أداؤها.
5/ استحضار ثواب الطاعة عند الله، وما أعد الله تعالى لعباده المؤمنين في جنته، وما لها من أثر صالح في حياته، فمن أهم فوائد عمل الطاعات أن يفوز المسلم بجنة ربه، وأن ينجو من عذابه، والطاعة علامة على صلاح العبد واستقامته، وهي تورثه الهداية في قلبه، والطمأنينة في نفسه، والطاعة تثمر محبة الله تعالى ورضاه، وما يكون لذلك من أثر طيب في حياته، وهي من علامات حسن الخاتمة، كما أنها مما يحفظ به الله تعالى على العبد أهله وذريته وماله، كما أنها دليل صدق اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
6/ النظر إلى الطائعين الذين سبقوه في طاعة الله تعالى، وأنه ليس وحده في ميدان الطاعة، فمن ثقلت عليه الصلاة في المسجد، فعليه حين يدخل المسجد أن ينظر عدد المصلين فيه، وليحسب ترتيبه بينهم، فسيجد نفسه قد سبقه إلى الصلاة عشرات من الناس، ومن يصعب عليه قراءة القرآن، فليذهب إلى المسجد ولينظر إلى من يقرؤون القرآن، وأنه ليس وحده من يفكر في طاعة الله، بل هناك من سبقوه، فليسع إلى المنافسة التي دعا الله عباده إليها بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134]
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسارعة في الخيرات، كما أخرج الترمذي في سننه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ.
7/ تذكر أن ما يفعله في هذه الدنيا إنما هو لآخرته، خيرا فخير، وشرا فشر، وأن يتذكر الصراط والحساب، والجنة والنار، فمن استحضر تذكر الآخرة؛ هانت عليه الطاعة في الدنيا، وليتذكر الإنسان أنه ليس مخلدا في الدنيا، ففي تهذيب السير:2/563 عن الحسن البصري قال: ابن آدم. إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
اقرأ أيضا:
ماذا سيحدث للناس إذا اختفت هذه الفضيلة بينهم؟