قال الله تعالى في سورة الشمس: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 7، 8]، فالفلاح في تزكية النفس عن المعصية والتخلق بـأخلاق القرآن، خاصة في شهر رمضان الكريم، فقال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10].
كيف نزكي أنفسنا؟
تزكية النفس قضية هامة وكبيرة، لها أركانه لكي تتم على الوجه الذي يرضى به الله عنا، وقد كتب فيه العلماءُ الكثيرَ الطيب، ومما ينفع في هذا الباب التوجُّه إلى الله سبحانه، والاستعانة به في تزكية النفس وصلاح القلب.
والتزكية تشمل عنصرين: الطهارة والنماء، يقال زكا الشيء إذا طهر، وزكا الشيء إذا نما، ولذلك الزكاة هي الركن الثالث في الإسلام لأنها طهارة ونماء، فطهارة لنفس المزكي ولماله ونماء لنفسه ولماله، (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
فلا بد من تطهير الأنفس من رذائل الشرك، ورذائل النفاق، ثم ننمي هذه الأنفس بفضائل التوحيد وبأخلاق المؤمنين.
زكها بالتوحيد والطهارة
وأول ما يزكي نفسك يكون بالتوحيد فلا تذل لغير الله ولا تنحني لغير الله، فالرزق بيد الله لا يملك مخلوق أن يزيد في رزقك ما يضاف إلى خزانتك ولا يملك لقمة تدخل في بطنك، فالله هو الرزّاق (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)، (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، والآجال التي يخاف عليها الناس لا يستطيع أحد أن يزيد في عمرها دقيقة أو لحظة ولا يستطيع أن ينقص من عمره دقيقة أو لحظة.
وهذه الجنة شاء الله تعالى ألا يسكنها وينزل في رياضها إلا عبد زكت نفسه وطابت وطهرت.
أما صاحب الروح الخبيثة والنفس الشريرة العفنة فبعدت عنه الجنة، وهيهات أن يحتل دار السلام ويتبوأ منازلها.
اقرأ أيضا:
تنال بها المغفرة .. 10 سنن وأعمال مستحبة في ليلة الجمعة ويومهازكها بالدعاء
ورَد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خص النفس بدعوات مباركة لإصلاحها وتزكيتها، والاستعاذة بالله سبحانه من شرورها.
ومن بين هذه الأدعية هي:
((اللهمَّ إني أعوذ بك من العجْزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والبُخْلِ، والهَرَمِ وعذاب القبر، اللهمَّ آتِ نَفسي تَقْوَاها، وزَكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وَلِيُّها ومولاها، اللهمَّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشَع، ومن نفْسٍ لا تشبع، ومن دعوة لا تستجاب))؛ أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
قال أبو بكر الصديق: يا رسولَ الله، مُرني بكلماتٍ أقولهن إذا أمسيتُ وإذا أصبحت، قال: ((قل: اللهمَّ فاطر السمواتِ والأرضِ، عالِمَ الغيب والشَّهادة، ربَّ كل شيءٍ ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفْسي، وشرِّ الشيطان وشركه، قال: قلها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك))؛ أخرجه الترمذي (3389)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن حجر في تخريج الأذكار: "هو حديث صحيح".
وعلمنا أيضًا أن نقول في صباح كلِّ يوم: ((اللهم إني أعوذ بك من شر نفْسي، ومن شر كلِّ دابَّة أنت آخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا فلان، إذا أويتَ إلى فراشك، فقل: اللهمَّ أسلمتُ نَفْسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضْتُ أمْري إليك، وألجأتُ ظَهْري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيِّك الذي أرسلت، فإنك إن متَّ في ليلتك متَّ على الفطرة، وإن أصبحتَ أصبتَ خيرًا)).
وفي رواية قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيتَ مَضْجعكَ فتوضَّأ وُضُوءك للصلاة، ثم اضطَجِعْ على شِقِّك الأيمنِ، وقل - وذكر نحوه - وفيه: واجعلهن آخر ما تقول))، فقلتُ أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت، فقال: ((لا، وبنبيِّك الذي أرسلت))؛ هذه رواية البخاري، ومسلم.
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه قال: وقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دَعَوات المكروب: ((اللهم رحمتَك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفَةَ عين، وأَصلِح لي شَأني كلَّه، لا إله إلا أنت))؛ أخرجه أبو داود (5090).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: ((يا حُصَينُ، كم تَعبُد اليوم إلهًا؟ قال: سبعة: سِتَّة في الأرض، وواحدًا في السماء، قال: فأيهم تعدُّ لرهبتك ورغبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصينُ، أمَا إنك لو أسلمتَ عَلَّمْتُك كلمتين تنفَعَانِك))، قال: فلما أسلم حُصين، جاء فقال: يا رسولَ الله، علِّمْني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: ((قل: اللهمَّ ألهِمني رُشدي، وأعِذْني من شرِّ نفسي))؛ أخرجه الترمذي.
قال ابن عباس: "بِتُّ ليلة عند خالتي ميمونةَ بنتِ الحارث، فقلت لها: إذا قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقُمتُ إِلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شِقِّه الأيمن، فجعلت إذا أغفيتُ يأخذ بشحمة أُذُني، قال: فصلَّى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى، حتى إني لأسمع نَفَسَه راقدًا، فلما تبيَّنَ له الفجرُ صلَّى ركعتين خفيفتين".
في رواية: فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذٍ بتسع عشرة كلمة، قال سلمةُ: حدَّثَنيها كريب، فحفظتُ منها ثنتَي عشرة، ونسيتُ ما بقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ اجعل لي في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يديَّ نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل لي في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا)).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم إني أسألك حبَّك، وحبَّ من يُحِبُّكَ، وحبَّ العمل الذي يبلِّغني حبَّك، اللهم اجعل حبَّك أحبَّ إليَّ من نفْسي وأهلي ومالي، ومن الماء البارد))؛ رواه الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه وقال: "هذا حديث حسن غريب".
اقرأ أيضا:
ماذا سيحدث للناس إذا اختفت هذه الفضيلة بينهم؟