رمضان شهر يحمل من الفضائل والنعم الكثير والكثير، ومن ثمّ على كل مسلم استغلال هذا الشهر ليخرج منه فائزًا، ولكن حتى تخرج منه فائزا عليك أن تكون من أهل الله.. ولكي تكون من أهل الله عليك بالقرآن، فعن أنس سيدنا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إن لله أهلين من الناس " قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : " أهل القرآن هم أهل الله وخاصته»، وبالأساس رمضان شهر القرآن، فكيف يأتي شهر القرآن ولا تعود فيه إلى القرآن؟.
قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ » (البقرة: 185)، ولذا فقد كان نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم يتدارس مع سيدنا جبريل عليه السلام القرآن في هذا الشهر مرة فلما كان العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين.
وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضانَ حِينَ يَلْقاهُ جبريلُ، وكان يَلْقاهُ في كلِّ ليلة مِن رمضانَ فَيُدارِسُه القرآن، فَلَرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أجْوَدُ بالخير من الريح المُرسَلة».
تأثير عظيم
للقرآن تأثير عظيم على النفس البشرية، فهو يأخذها من أوهام الدنيا إلى حقيقة الآخرة، ومن شرك الدنيا وظنونها إلى يقين النهاية ومآلها، ولمّ لا وهو أحسن الحديث وأصدقه، كما بين المولى عز وجل في قوله تعالى: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ » (الزمر: 23)،.
بينما نحن الآن للأسف قست قلوبِنا، بل أصبحت أقسى من الحجارة الصماء، هذه الصخور التي لو أُنزل عليها القرآن لخشعت وتصدعت من خشية الله، كما أخبرنا عن ذلك ربنا بقوله: « لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » (الحشر: 21)،
ألن قلبك
ألن قلبك، إلا أنك لا يمكن أن تلينه إلا بالقرآن، فأي قلب هذا الذي لا يتأثر بكلمات رب العالمين وأي عين هذه التي تمنع الدمع من خشية الله؟!.. نسأل الله تعالى أن يرفع عنا قساوة قلوبنا، فقد قال الله تعالى عن أصحاب القلوب القاسية: « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » (البقرة: 74).
فإن لم يحن الوقت في رمضان لتلين قلوبنا فمتى؟.. «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ » (الحديد: 16).
اقرأ أيضا:
الإيثار.. إحساس بالآخرين وعطاء بلا حدود