قال الله تعالى في سورة "النساء": لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)
شهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد الذي يتدرب فيها المسلم على محاسبة نفسه، والانتصار على شهواته، وجيوش الشياطين التي تصفد بالسلاسل مع بداية الشهر الكريم، فكما تقول الآية الكريمة لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر مع المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، ولقد فضل الله تعالى المجاهدين بأنفسهم وأموالهم، على القاعدين، فالذين يكثرون من الجهاد بالمال والعمل في شهر رمضان هم أفضل حالا ودرجة من القاعدين أو النائمين في هذا الشهر الكريم.
فشهر رمضان هو شهر الطاعة والعبادة الدائمة والمستمر والبذل والعطاء، والإكثار من الصدقات، ومجاهدة النفس، والانتصار على الشهوة، فلا يستوى أصحاب هذا العمل وهذا الجهاد، مع النائمين في نهار رمضان على فراشهم، الذين لا يبلغ صيامهم فوق مستوى وسادتهم، فيقضون نهارهم في السرير، وليلتهم في المقاهي والخيم الرمضانية والحفلات وأمام المسلسلات وشاشات التلفاز.
فالصوم شرعه ربنا عز وجل ليقوّي الإيمان، ويعلّي من الهمة والإرادة والعزيمة، حيث خلق الله الانسان مجبولاً على حب الشهوات، ومنفطراً على الانغماس في الملذّات والشهوات، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) (روه الحاكم).
اظهار أخبار متعلقة
وبالتالي لا يستوى القاعدون، وهؤلاء المتكاسلون المرفهون المتنعمون في ملذات ورفاهية أغلى أنواع الطعام، مع المجاهدين بالمال والنفس والوقت والجهد، الذين تتورم أقدامهم طوال الليل اقتداءا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لإحياء سنة وصلاة القيام، والإكثار من إطعام الفقراء والتصدق عليهم.
مجاهدة النفس في رمضان
ومن الوسائل المعينة على مجاهدة النفس في رمضان، العزم المتين على الطاعة والعبادة، لقوله تعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} [محمد،21]، وكثرة الاستغفار؛ لأنه شارحٌ للصدر، معينٌ على الطاعة والصيام والقيام وصلة الأرحام، والالتجاء إلى الله في الدعاء بأن يعين ويوفق إلى الطاعة والعبادة، فالدعاء من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب إلى جانب مرافقة العلماء والصالحين، فهم خير معين على طاعة رب العالمين، وقد قال الله على لسان موسى: {هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً} [طه،آية:30]، وتخصيص وقت لقراءة القرآن، وآخر للأذكار، وآخر لصلة الأرحام.
وروي عن سلمان الفارسي أنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان موجهًا نداءه العام وتعاليمه لأمة الإسلام وجماعة التوحيد في كل زمان ومكان قائلا:(يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر. جعل الله صيام نهاره فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا.قالوا : يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو على شربة ماء، أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم ، وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه. وأما اللتان لا غناء بكم عنهما، فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة).
اقرأ أيضا:
رمضان بوابتك للجنة .. حافظ عليه بهذه الطريقةحياة روحانية ربانية
فالصوم كفاح وجهاد مستمر يكون المسلم فيه في حياة روحانية ربانية صافية قائما لربه، قانتًا لمولاه معترفا بنعمة ربه عليه، خالصًا لله؛ لأن الله تبارك وتعالى هو الذي تكفل بإعطاء الأمر والجزاء لأنها حالة منفردة بين الإنسان وربه لا يشاركه فيها مخلوق وهي أيضًا خالية من الرياء والمباهاة حينما يختلي الإنسان بينه وبين نفسه فيزداد تمسكًا وصبرًا وثباتًا لكي يقضي يومه في صلاة وقراءة وجهاد في الحياة، وليله في العبادة الخالصة لله. وهو في كل ذلك يردد بينه وبين نفسه : (اللهم لك صمت) كما جاء في الحديث القدسي : (يترك طعامه وشرابه من أجلي. الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها).
وعلى الصائم أن يدعو ربه دائمًا ويسأله في هذا الشهر الكريم كما ورد في مسند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة ، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول بعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين).
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه).