لقد أظلنا شهر رمضان الكريم شهر الرحمة شهر المغفرة شهر العتق من النار بل هو ،شهر الرحمن ، شهر الغفران ، شهر الشكران ، شهر جعله الله - سبحانه وتعالى - بدايةً ومنطلقاً لتجديد حياتنا معه سبحانه ،نفحات ربانية, ومنح إلهية , وأيام ربانية جعلها الله - سبحانه وتعالى - بعضها في إثر بعض من أجل أن نعود إليه يقول النبي ﷺ : «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها».
وعن فضل هذه الأيام المباركة روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال «التمسوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة الله فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم» [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
ومن المهم هنا الإشارة إلي أن شهر رمضان هو الشهر الذي يهيئ الله فيه جو العبادة، فصح عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» [رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم في المستدرك] .
وقد حث الصحابة والتابعون علي ضرورة اغتنام أيام وليالي رمضان وعدم تركها تمر هباء بل واغتنام هذا الموسم الرابح، والتعرض لتلك النفحات الإلهية الطيبة، فغيروا قلوبكم مع ربكم بحيث أن يرضى عنكم وأن تكونوا في محل نظره سبحانه وتعالى.
ومن فضائل شهر رمضان أنه شهر أنزل فيه القرآن وهناك عدة تفسيرات في معنى نزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر، التفسير الأول : هو أن الله أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، واستند هذا التفسير لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أُنزل القرآنُ في ليلة القَدْرِ جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعضه في إثر بعض» [الحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه].
كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أنزل القرآن في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القَدْرِ، ثم أُنْزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ : ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلًّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [سورة الفرقان : 33] ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاه لِتَقَرَأه عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاه تَنْزِيلًا﴾ [سورة الإسراء : 106]» [النسائي، والحاكم في المستدرك].
وقال الإمام القرطبي : "ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر على ما بيناه جملة واحدة وضع في بيت العزة في سماه الدنيا ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجما نجما في الأوامر والنواهي والأسباب وذلك في عشرين سنة" [تفسير القرطبي 2/297].
أما التفسير الثاني : أنه نزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قَدْر، أو ثَلاث وعشرين أو خمس وعشرين ـ حسب الاختلافات في مدة مكث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة بعد البعثة ـ في كل ليلة قدر ينزل ما يقدِّر الله إنزاله في كل السنة، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في جميع السنة، وقد حكى الفخر الرازي هذا القول، وتوقف في الأخذ به، هل هو أولى أو القول الأول.
اقرأ أيضا:
اتقوا اللعانين.. من هم؟ وكيف يمتد أذاهم للناس في الطرقات؟ثالت التفاسير الخاصة بنزول القرآن في شهر رضان يدور في فلك : أنه ابتُدِئ نزوله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في أوقات مختلفة . وهذا القول مروي عن الشعبي.
التفسير الرابع لا يختلف كثيرا : أنه أنزل من اللَّوْح المحفوظ جملة واحدة، وأن الحفظة نجَّمته على جبريل في عشرين ليلة، وأن جبريل نجَّمه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عشرين سنة .
على كل حال فإن رمضان شهر القرآن وهذه أهم خصائصه، فعلى المسلم أن يخص رمضان بالإكثار من تلاوة القرآن كما أن ربه خصه بإنزال القرآن فيه، وكما كان حال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل عام مرة وكان ذلك في شهر رمضان، وقد شعر النبي صلى الله عليه وسلم بقرب أجله في العام الأخير لأن جبريل قد عارضه القرآن مرتين.