يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم على لسان نبيه أيوب عليه السلام: «أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (الأنبياء 83)، والمعنى، أي أنه مسه ضر قلة معرفته عن الله عز وجل واسع الصفات، لأنه مهما عرف العبد عن ربه، فكل معلوماته وعلومه محصورة ومحددة وضيقة، أمام علم الله المطلق، وعليه فقد يتعلق كل ما فينا بالله، إلا أنه لا يمكننا أبدًا أن نعرف كل شيء عنه سبحانه، ولذلك نلجأ إليه بهذا الدعاء عله يتفضل علينا بتعريف ما يرفع عنا أي ضر مهما كان>
لذا على كل مسلم أن يعي يقينًا أنه بذكره للبلاء يعد صبرًا عليه لاشك، فذاك صبر أيوب عليه السلام، مضرب مثل، ورجاء كل مكروب، ورحمة أرحم الراحمين، لأن ذاك ما أخبر عنه الله سبحانه بقوله: « إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا » (ص: 44).
تقبل البلاء
البلاء سيقع - سيقع، ولذلك فإن الحكمة في تقبله، والصبر عليه، مهما كان شديدًا، لأن ذلك هو الذي يفرق بين المؤمن وغيره، أو المؤمن الضعيف وغيره، فترى المؤمن أمره كله خير دائمًا.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، ولهذا حينما يضرب المثل بنبي الله أيوب، فإنه لنعلم أن هناك من تحمل ما لا يطيقه بشر، حتى تنكر له الناس، وابتعد عنه الجميع، ولم يسأل عنه أحد، إلا زوجته المؤمنة التي كانت ترعاه وتعرف سالف معروفه عليها، وأخَوان كانا من أخص الناس به.
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبلا تيأس من رحمة الله
لكن نبي الله أيوب، لم ييأس من رحمة الله أبدًا، ورفع يده إلى السماء يسأله الشفاء، فكانت النتيجة أن شفاه الله مما نزل به، قال تعالى: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ» (الأنبياء 84).
إذن البلاء ينزل، ويرفعه الله عز وجل عمن يريد، ولا يجوز للمسلم المؤمن الصابر المحتسب إلا أن يصبر ويسأل الله رفع البلاء، فهو وحده القادر على ذلك.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أيوب يغتسل عرياناً، خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو في ثوبه، فناداه ربه، يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك»، ولهذا قال تعالى: «وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» (ص 43).