هذه الآية شقت على الصحابة.. فبماذا طمأنهم رسول الله؟

بقلم | محمد جمال حليم | الاربعاء 08 نوفمبر 2023 - 05:46 ص

الصحابة ليسوا كغيرهم من البشر فهم من تلقوا قرآن مباشرة من رسول الله فلهم فضل ومزية وهو الذي ناصروا الرسول ونصروه..

ولقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين يحرصون على فهم آيات القرآن والعمل بها وحينما يعن لهم شيء يستفسروا عنه من رسول الله، ومن هذا إنه لما نزل قوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}(الأنعام:82).. شق ذلك عليهم؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}(الأنعام:82) شَقَّ ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(لقَمان:13)) رواه البخاري.

معنى الظلم وانواعه:

يقول القاضي عياض: "الظلم في كلام العرب وضع الشيء في غير موضعه، ثم استُعْمِل في كل عَسْف، فمَنْ كفر بالله وجحد آياته وعبَد غيره فقد عدَل (حاد وابتعد) عن الحق، وتعسَّفَ في فعله، ووضع عبادته غير موضعها، وكذلك في غير ذلك من الأشياء".

وقد بين القرطبي في تفسير للآية الكريمة: {وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ} أي: لم يَخلِطوا.. والظُّلم: وَضع الشيءِ في غير موضعه.. والمرادُ به في الآية: الشرك، وهو أعظمُ الظلم، إذ المُشرِك اعتقدَ الإلهيَّةَ لغيرِ مستَحِقِّها، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي: لا ظُلمَ أعظم منه. ويُقال على المعاصي ظُلم، لأنَّها وُضِعَت موضعَ ما يجب من الطاعة لله تعالى".

عظم الشرك وخطورته:

وفي هذا الحديث السابق دليل على فضل التوحيد، وعِظَم جُرْمِ الشرك، وأنه موجب للحرمان مِن الأمن والهداية، وسبب للخوف والقلق، قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}(الأنعام:82). وأما أهل التوحيد فهم أهل الأمن في الآخرة والهداية في الدنيا والآخرة.

كما أن تَصريح النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره بانصِراف الظُّلمِ المَذكور في الآية إلى الشِّرك. وكون الشِّركِ ظُلمًا، حَيثُ إنَّ الله تعالى هو الخالق الرزاق، المحيي المميت، فإذا أشْرك الإنسان معه غَيرَه فَقد جاء بِظُلمٍ عَظيم، كما لا يخفى ما في الحديث من دليل على أن الظلم مراتب ودرجات متفاوتة، وأن أعظم الظلم الشرك بالله، وهذا يتضح مِنْ فهْم الصحابة رضوان الله عليهم بأن المعاصي تُسَمَّى ظلماً فقالوا: (أَيُّنَا لا يَظْلِم نَفْسَه؟) وبيان النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم المقصود هنا هو الشرك بالله. والأدلة قد دلت على أن لفظ الكفر ومثله الظلم والفسق والشرك قد وردت في الشرع على معنيين أكبر وأصغر.