ليلة النصف من شعبان كيف تكون دعوة للتصالح مع النفس والناس؟
بقلم |
محمد جمال حليم |
الخميس 22 فبراير 2024 - 04:14 م
من فضل الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم الطاعة وفضل بعض الأيام والليالي على بعض لتكون بمثابة نفحات ومواسم للتركيز فلا ينبغى المسلم التغافل عنها ومن هذا ليلة النصف من شعبان. فقد نشد الإسلام من الناس جميعًا غايتين لا ثالث لهما: أولاهما: توحيد الله وإفراده بالعبادة { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } وثانيهما: تخلية النفس البشرية من ذميم الأخلاق، وتحليتها بالمكارم منها لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي رواية "صالح الأخلاق"، وذلك لكي تبقى الصلات بين بني البشر موصولة لا يقطعها نزاع، ولا يَفُضها خصام؛ فالله سبحانه وتعالى لم يخلق البشر ليتنازعوا بينهم بل دعاهم إلى التعارف والتآلف { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } هذا على مستوى البشرية جمعاء، أما بالنسبة إلى المسلمين فقد أكد على هذا المعنى قرآنًا وسنةً فيقول تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا" وإن كان لابد من خصام الداعي إليه الطبيعة البشرية التي قد تتكدر أحيانًا لخلاف يعرض، أو زلة بقصد أو غير قصد تصدر، فليكن لليالٍ ثلاث فقط: لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، فيكفي لقطع الخصومة أن تُلقي عليه السلام، وربما تكون العلاقة ليست كسابق عهدها لكن ستكون ثمة علاقة وصلة بينك وبينه محدودة نعم، ولكنها غير مقطوعة بالكلية، هذا مع العلم أن لصاحب الولاية - كالأب والزوج مثلًا - أن يزيد على ثلاث إذا كان خصامه بغرض التأديب، وإلا بالنسبة لعامة الناس إن تعدت خصومتهم هذه المدة فلا يلوموا إلا أنفسهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" ولا تتعجب من عظم العقاب فالذنب ليس بالهين لأن: 1ـ فساد ذات البين يفسد دين الإنسان فقد قال رسول الله: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة" قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين". وذلك لما يترتب على الخصومة من غيبة ونميمة وحقد وحسد وظلم في حق من نخاصمه. 2ـ لأن أعمال المتهاجرين لا تُرفع إلى الله قيد شبر! لقوله صلى الله عليه وسلم: "تُعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أتركوا هذين حتى يصطلحا". 3ـ وأخيرًا لأن الله لا يغفر لهم، فروى ابن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". ولذلك فقد جعل الله مواسمًا للخير، ومحطات تقف عندها النفس لتمد جسور الود، وتقوي أواصر الصداقة والحب بينها وبين الناس والتي منها ليلة النصف من شهر شعبان، وشهر رمضان، والأعياد الدينية لينعم الله علينا بجميل مغفرته وكريم عفوه.