يقول الله تعالى في سورة آل عمران: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ".
جعل الله سبحانه وتعالى اللين سبيلا لتيسير أحوال المؤمنين، في كل شيئ، فالمعاملة السهلة اللينة القائمة على حسن الخلق والتراحم تجلب الرزق، وتمنع الشقاق، وتقتل الحسد والحقد، وتحرم الجسد على النار، لذلك الإنسان أسير أصحاب الخلق الرفيع الهينين اللينين في البيع والشراء والمعاملة، وهي الأخلاق التي تستأثر بشعائر الإسلام، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " الدين المعاملة".
فحين ترى بائعا فظا في بيعه، عبوسا في وجهه، سبابا لعانا في بضاعته، فقد تفر منه ولو لم تجد حاجتك إلا عنده، فهؤلاء دائما ما يكونوا مثلا سيئا للتجار المسلمين، فالتعامل بين الناس يحب اللين بين الطرفين سواء كان البائع أو المشتري.
لأنك على الطرف الأخر، تجد النقيض من بعض الزبائن، حينما يجحدون التجار حقوقهم، ويفاصلون في ثمنها، بما يبخس حقها ومستحقها، وقد تجده لحوحا في شرائه للحد الذي قد تضطر لإغلاق باب التفاوض معه، وهو ما يعطي مثاالاا سيئا أيضا على الجانب الأخر.
ولا يتوقف هذا العمل في البيع والشراء فقط، فقد تتمدد هذه الأخلاق السيئة، في أشياء أخرى، مثل حقوق الجيران، أو التعامل مع الناس في الشارع ووسائل المواصلات، أو ربما بين الزملاء وبعضهم بعضا في العمل، حيث ترى بعض الموظفين حينما يقومون بعملهم ويأدون واجبهم للجمهور، تشعر وكأنهم سينفجرون بوجهك غضبا على ما اضطررتهم لأدائه، وكأنك نغصت عليهم معيشتهم، وقد يفتح لك أحدهم يده لكي يأخذ ثمن واجبه الذي يتقاضى عليه راتبه من الدولة.
اقرأ أيضا:
الجمعة.. عيد خاص عند الموتى تتلاقى فيه أرواحهم ويفرحون بالزائرينكيف تحرم جسدك على النار؟
لذلك كشف النبي صلى الله عليه وسلم، ان اللين في التعامل بين الناس هو أكثر ما يحرم جسدك على النار، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبرُكم بمن تحرم عليه النارُ غدًا؟ على كلِّ هينٍ لين قريبٍ سهل)).
بشر النبي في الحديث بأن التحلِّي بالأخلاق الحَسنة، والتخلِّي عن سيِّئها هو أساس شريعة الإسلام وما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى :﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
قال المناوي: "ألا أُخبِركم بمن تحرم عليه النار"؛ أي: دخول نار جهنم يوم القيامة، (على كلِّ هَين) مُخفَّفًا من الهَون بفتح الهاء، وهو السكينة والوقار، (لَين) مُخفَّف ليِّن بالتشديد على فعيل من اللين ضدَّ الخشونة، (قريب)؛ أي: إلى الناس (سهل) يَقضي حوائجهم، ويَنقَاد للشارع في أمْره ونَهيه.
فينبه النبي صلى الله عليه وسلم أن حُسن الخلق يُدخِل صاحبه الجنة، ويُحرِّمه على النار، فإن حُسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهلَ المعاملة، لَيِّنَ الجانب، طَلقَ الوجه، قليلَ النفور، طيِّبَ الكلمة، ولكن بغير نفاق.
فحُسن الخلق هو بذْل المعروف وكفُّ الأذى، وإنَّما يُدرَك ذلك بثلاثة أمور: (العِلم، والجود، والصَّبر).
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: "ليَكن وجْهُك بَسْطًا، وكلمتُكُ ليِّنة، تكن أحبَّ إلى الناس من الذي يُعطيهم العطاء".
وكيف تكن سهلاً؟
يكون الإنسان سهلا لينا بالعلم حينما يعرف الفرق بين الحق والباطل وبين المعروف والمنكر، ويتخلق بالجود، فيَبعثُه على المسامحة بحقوق نفسه، والاستقصاء منها بحقوق غيره، فالكرم والجود والحلم هو إمام الخير، قال ذو النون: إذا غَضِب الرجل فلم يَحلُم، فليس بحليم؛ لأن الحليم لا يُعرَف إلا عند الغضب.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب خادمًا له قط، ولا ضرَب امرأة له بيده، ولا ضرَب بيده شيئًا قط، إلا أنْ يُجاهد في سبيل الله، ولا نِيلَ منه شيء قط فيَنتقِم من صاحبه، إلا أنْ يكون لله، فإنْ كان لله انْتقَم له، ولا عرَض له أمران إلا أخذ بالذي هو أَيسر حتى يكون إثْمًا، فإذا كان إثْمًا، كان أبعدَ الناس منه".
وشتَمَ رجل أبا ذر - رضي الله عنه - فقال له: "يا هذا لا تغرِقَّن في شتْمِنا، ودعْ للصلح موضِعًا؛ فإنَّا لا نُكافئ من عَصَى الله فينا بأكثر من أنْ نُطيع الله فيه".
ومن وسائل اللين الصبر على الناس، وكظْمِ الغيظ، وكفِّ الأذى، فهو أكبر العون على نيل كلِّ مطلوب من خير الدنيا والآخرة.
قال يحيى بن معاذ: "في سعة الأخلاق، كنوز الأرزاق".
وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن حُسْن الخلق، فقال: "هو أنْ تَحتمِل ما يكون من الناس".