من منا لا يتمنى لو أن الله عز وجل يتحمل كل حوائجه، فترى كل الأمور تسير بسلاسة متناهية، كأنه عبد رباني، يأتي الأمر بين الكاف والنون، يريد أن ينجح فينجح، يريد الرزق فيرزق، يريد التوفيق فيوفق، يريد إنهاء بعض المهام فتقضى على أحسن ما يكون، لكن كيف يكون ذلك؟.. وهل هناك شروط لتنفيذها؟.
فمن روائع الإمام بن القيم رحمه الله، أنه قال: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده، تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، و فرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته.. و إن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها، وغمومها، وأنكادها، ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، وشغل لسانه عن ذكره بذكرهم، و جوارحه عن طاعته بخدمتهم و أشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه، ويعصر أضلاعه في نفع غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله، و طاعته، ومحبته بلي بعبودية المخلوق، ومحبته، وخدمته»، وفي ذلك يقول المولى عز وجل: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ».
الغاية العظمى
إذن فرضا الله عز وجل لهو الغاية العظمى، ولكن لمن؟.. للمؤمنين، وليس لغيرهم، وهذا سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، لا يهمه سوى إرضاء الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فتكون النتيجة أن تتنزل فيه آيات تظل تتلى حتى قيامة الساعة، قال تعالى: « وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى » (الليل:19 - 21).
فمن سار على درب أبي بكر لاشك سيصل، لكن من ابتعد، واختار طرق أخرى غير التي اختارها المسلمون الأوائل، ضل وتاه وضاع، وخسر دنيته وآخرته، ففي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: «من جعل الهموم همًا واحدًا -هم آخرته- كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ـ تفرقت وكثرت ـ، لم يبال الله في أي أوديتها هلك».
اقرأ أيضا:
"إلي مثواه الأخيرة " خطأ شرعي فتجنبه ..لهذه الأسبابقيمتك عند الله
إذن، فمن شغلته الدنيا عن ربه وعن نفسه فلا وزن له ولا قيمة عند الله تعالى، والله يحب أعالي الأخلاق ويكره سفاسفها، فلا يكون العبد عبدًا له قيمة وهو ممن يغوص في سفاسف الأمور ويغرق في أوحال الدنيا، لذلك ما أجمل أن يجعل العبد حياته لله فإن عَبد فلله، وإن كَتب فلله، وإن تعلم فلله، وإن خَطب فلله، وإن تزوج فلله، وإن جمع المال فهو لله، فالهم واحد مرضاة الله وطرق الخير إليه كثيرة ومتنوعة قال الله تعالى: « وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإن الله لمع المحسنين » (العنكبوت:69)، فلله صراط واحد لكن سبل الخير إليه كثيرة ومتنوعة.