يبين د. عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أنه على امتداد النصف الأول من القرن الخامس الهجري ساد بلاد المغرب والأندلس تمزق طائفي من أسوأ ما عرف المسلمون من تمزق.
الطائفية في المغرب العربي:
ويضيف في بحثه المميز عن الأندلس أن الطائفية تركزت وسادت في المغرب، فلقد شاع أن النزعة الطائفية ارتبطت بالأندلس، وسيطرت عليها، مع أن الحقيقة التاريخية تقرر أن عصر الطوائف في بلاد المغرب كان أشدّ وأسوأ من نظيره في الأندلس ؛ ذلك لأن الطوائف في الأندلس كانت مجرد تمزق سياسي، أما الطوائف في المغرب ـ فكانت إلى جانب ذلك ـ تفككاً عقدياً وفكرياً؛ وهو لون أخطر من مجرد التفكك السياسي .
وبيّن أنه قد بلغ الهبوط العقدي أسوأ درجاته في المغرب في تلك المنطقة ؛ التي تعرف الآن بمنطقة موريتانيا والمغرب الأقصى، أي في المنطقة الصحراوية؛ إذ أن هذه المنطقة حفلت بأربع طوائف ساد الضلال بينها ، وهي غمارة في الشمال، وبرغواطة في الغرب ، والشيعة والوثنيون في الجنوب، وزناتة ؛ التي تمتد بين كل هذه الأرجاء نظراً لضخامة عددها؛ فقد انتشر المتنبئون والدجالون بين قبيلتي غمارة وبرغواطة انتشاراً كبيراً، ومن أبرز الكذابين الذين ظهروا بين غمارة في الشمال الصحراوي ؛ المتنبئ حاميم بن منّ الله ، وعاصم بن حميل ، وعيسى بن حاميم، ومن أبرز الكذابين الذين ادعوا النبوة في برغواطة في الغرب ؛ صالح بن طريف، الذي زعم بعضهم أنه ينتمي إلى أصل يهودي .
دولة المرابطين:
وأوضح د. عويس أنه قد شاءت عناية الله سبحانه وتعالى أن ينقذ المغرب الإسلامي من هذه الرِّدة، وأن يعيده إلى حظيرة الإسلام، فنشأت دولة إسلامية صادقة العزم، صافية المبادئ بجهود بعض المسلمين الغيورين الذين ساءهم ما وصلت إليه الحالة الدينية ، وعلى رأسهم الفقيه الصالح أبو عمران الفاسي ، وتلميذه الفقيه الداعية عبد الله بن ياسين ؛ الذي لعب دوراً خطيراً وفعالاً في إنشاء هذه الدولة .
إن هذه الدولة؛ التي يرجع إليها الفضل في القضاء على هذه الردّة ، وفي عودة الإسلام إلى مكانه في الحياة المغربية ، هي دولة المرابطين ؛ التي قامت في صحراء المغرب في منتصف القرن الخامس الهجري .