بعض الناس حينما تصاحبهم يشكلون عبئًا نفسيًا على أخلاقك وسمعتك، فالناس دائمًا تنظر إلى خلق الرجل من خلال أخلاق قرائنه، وقد تضطر بحكم العمل أن تصاحب رجلاً منحلاً في أخلاقه فيشرب الخمر ويجتمع بالنساء، ويكسب ماله من الحرام، فلا تجد شجاعة الابتعاد عنه لمجرد أنه يزين لك صداقته بلسانه المعسول، فتجد يومًا بعد يوم يفرض صداقته عليك دون أن تشعر، وتستلم للأمر الواقع فتمضي معه وتنصرف معه، وتأتي معه، حتى تجده واقعًا مرًا في حياتك.
بعض الأشياء والقضايا في حياتنا تحتاج منا إلى حسم القضية، مثل اختيار الصديق، وحدود التعامل مع الناس، ورفض الحرام، والتصدي للمنكر، فالحرج في مثل هذه الأشياء هو فخ شيطاني كبير، فالله سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه: "والله لا يستحيي من الحق" سورة الأحزاب.
ولذلك فرض الله على المؤمن أن يجتنب الشبهات، وألا يستحي من الحق، وأن يكون حاسمًا قاطعًا في اختيار الصديق، وألا يفرض على نفسه موقفًا يجعل منه إنسانا ضعيفًا أو ملامًا بين الناس، أو يضع نفسه في محط الشبهات.
جاء في حديث عن أبي عبدالله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما، قـال: سمعـت رسـول الله يقول: { إن الحلال بيّن، وإن الحـرام بيّن، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب }.
ورُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام قَالَ: "لَا تَحْكُمُوا عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ حَتَّى تَنْظُرُوا مَنْ يُصَاحِبُ، فَإِنَّمَا يُعْرَفُ الرَّجُلُ بِأَشْكَالِهِ وَ أَقْرَانِهِ، وَ يُنْسَبُ إِلَى أَصْحَابِهِ وَ إِخْوَانِهِ".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على الصبيان سَلَّم عليهم؛ حتى يشعر أحدهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان عليه من الشرف يسلم على الصبيان، ويخالل الفقراء، ولا يهجر أصحابه، ويقول لصحابته الكرام: "أنا منكم مثل الوالد للولد".
وفي الصحبة نوع من أنواع التربية، فربما اندفع بعضنا لصحبة غيرنا من أهل المنافع والمصالح الدنيوية، فيهجرنا ويلتحق بغيرنا من أهل المنصب والمال، حتى أنه ربما يتورع في السلام علينا، ومجالستنا، بعد أن أنعم الله عليه بالمال والجاه، الأمر الذي يؤثر في نفوسنا، ويترك أثرا سيئا ناحية أحبائنا.
اظهار أخبار متعلقة
ميزان المرء إخلاؤه
ميزان الإنسان أصدقاؤه، فقل لي من صاحبك أقل لك من أنت، فالناس تعرِف المرء صالحاً أو طالحاً من خلال من يصاحب ،بل إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق؛ الصحبة، فإن كانت صُحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صُحبة أشرار فمن المؤكد أنها ستترك بصماتها، فصحبة أهل الشر داء وصحبة أهل الخير دواء.
ووجّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الجليس المصاحب أثره ظاهر على المرء ونتائجه سريعة الظهور،. ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة».
فكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا جُرفٍ هار فأنقذه الله بهم من النار، في الوقت الذي يعجز المرء عن البقاء على خلقه حال مصادقة الأشرار، فمن يدعي قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها فهو كاذب.
وفي ذلك نبه الله عز وجل على ذلك : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68].
فلما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: «أي عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله - عز وجل » فقال رفقاء السوء أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: (يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب) فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء: على ملة عبد المطلب ).
لذلك قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً) [الفرقان:27-29].
مصادقة المنافقين وأهل الشر
فضلاً عن أن الله حذر من مصادقة المنافقين وأهل الشر، لأنهم إذا خاصموا فجروا، وكل صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة، قال تعالى: (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ )[الزخرف:67]، فالأصدقاء في هذه الحياة يعادي بعضهم بعضًا يوم القيامة إلا أصدقاء الإيمان، الذين بنوا صداقاتهم على الحب في الله والبغض في الله.
وهذه المحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها علوُّ المنزلة ورفعةُ الدرجة يوم القيامة، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه» [متفق عليه].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّرهم بعلو منازلهم وتميّزهم عن غيرهم وسبقهم لمن سواهم وحصولهم على ما لا يحصل عليه أحد، ففي مسند الإمام أحمد أنه قال مخاطبًا أصحابه رضي الله عنهم: «يا أيها الناس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله»، فجاء رجل من الأعراب من قاصِيَة الناس، وأشار بيده إلى رسول الله فقال: يا نبي الله، ناس من الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! صِفهم لنا. فسُرّ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي وقال: «هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورًا وثيابهم نورًا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» [رواه أحمد].