قد تندهش حينما تصطدم بأخلاق بعض الناس ممن يرتضون بالفساد، ونشر الرذيلة، ويحاولون أن يصوروه كأمر واقع يجب علينا أن نسلم به ونتعامل معه، ونرتضي به لأنفسنا ولبناتنا ولزوجاتنا، فلا مانع من الزنا والخمر والشذوذ الجنسي، لأنها أصبحت واقعًا نتعامل معه ويجب أن نتعايش معه، دون أن نفقد سعادتنا أو نشوش على هدوئنا، حتى تشعر أن أحدهم لو جاء مكان الشاب الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بالزنا فرد عليه النبي: " أترضاه لأمك أو لابنتك؟ لقال له نعم من وقاحته وفحش أخلاقه.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه ـ قال: (إن فتى شابا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) رواه أحمد .
الأمر الذي يجب علينا من خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تفاصيل حكمتها ومنابع خيرها، أن نتحرى فقها جديدا في التعامل مع هؤلاء من أصحاب الفكر الشاذ، وفي معاملة هذه النفوس المريضة، والحكمة في تربيتها، و إصلاح شذوذها، وعلاج ما بها من خلل، بعد ان تجرأ بعضهم على الاستهزاء بنشر الرذيلة، غفير مكترثين بأن نشر الفساد هو أصل هلاك الأمم.
لقد انتفض الصحابة عند سماع الاستئذان في الزنا من الشاب، فزجروه: "مه.. مه"، ولكن هناك من الناس في وقتنا الحاضر من يدافع عن الزنا وفحش الأخلاق باسم حرية الإبداع وباسم الفن، فكل جريمة أمام الكاميرات يعدونها إبداعا، وكل دعوة إلى الرذيلة يحسبونها حرية، حتى أنهم خرجوا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما عالج شهوة الشاب الذي جاءه يطلب منه الإذن بالزنا، فبين النبي مفاسد مطلبه، وسوء عواقبه، مخاطبا نخوته وغيرته وفطرته السليمة، إلا أن هؤلاء المعاصرين من شواذ الفكر وخوارج الفطرة، خرجوا على فطرتهم ونخوتهم ورجولتهم، فأعلنوا بغير خجل أنهم يرضونه لأمهاتهم وبناتهم ونسائهم وعماتهم وخالاتهم وأخواتهم، متترسين بوهم الحرية والإبداع.
فلو كان الأمر مثل ما حدث للشاب الذي جاء النبي يطلب الزنا، فكان من السهل أن تخاطبهم بمثل خطاب النبي وتعالجهم بهذه الروشتة النبوية، مستحثا رجولتهم ونخوتهم، فهذا الشاب لم يفقد الحياء والخير، بل تغلبت عليه شهوته لحين، فلمس النبي صلى الله عليه وسلم جانب الخير فيه، فتعامل معه صلى الله عليه وسلم بمنطق الإقناع العقلي مع الشفقة والحب، فأثابه إلى رشده، وأرجعه إلى طريق العفة والاستقامة، حتى أصبح رافضا للرذيلة، كارها لها .
أما هؤلاء فلقد أعلنوها صريحة، بأنهم يحبون الزنا لأمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم، ولا مانع من أن يستمروا في رذيلتهم ونشر فسادهم، باسم الإبداع.
الأخلاق الحسنة هي رأس مالك الحقيقي
فالأخلاق الحسنة هي رأسُ مال الإنسان، ومنتهى شرفِه؛ بل هي خلاصةُ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثت لأتَمِّم مكارم الأخلاق)).
وكان صلى الله عليه وآله وسلم المثالَ الكامل للبشرية في حسن الخلق، فكان النبي مع حلمه؛ يغضب للحق إذا انتُهِكت حرماتُه، وإذا غضِب فلا يقوم لغضبه شيء حتى يهدم الباطل وينتهي، وفيما عدا ذلك فهو أحلمُ الناس عن جاهلٍ لا يعرف أدبَ الخطاب، أو مسيءٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسِه يمكن إصلاحه، أو منافقٍ يتظاهر بغير ما يُبطِن.
وعن أم المؤمنين عائشة، قالت: "ما ضرب رسول الله بيده خادمًا له قط، ولا امرأةً، ولا ضرب بيده شيئًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين شيئينِ قطُّ إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يُؤتَى إليه حتى تُنتَهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله".
فلا أحد في هذه الحياة يخلو من خطأ، قصدا أو عن غير قصد، فهي سنة الله في هذا الإنسان أنه خطاء، وهي صيغة مبالغة تدل على كثرة وقوعه في الخطأ، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كلُّ بني آدم خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائين التَّوابون ).
والمخطئ أحيانا لا يشعر أنه أخطأ، فينبغي أن نزيل الغشاوة عن عينيه ليعلم أنه على خطأ، فعن أبى هريرة رضي الله عنه: ( أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد تحجَّرت (ضيقت) واسعا، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم ـ وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سَجْلا من ماء ) رواه أبو داود .
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بمثل هذه المواقف التربوية والمضيئة التي ينبغي أن نقتدي بها في تعليمنا وتربيتنا ودعوتنا، وصدق الله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21).
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليها