من المؤسف أن تنتشر بعض المعتقدات الدنيوية لدى بعض الناس، والتي تدل على الأنانية والتفكير بمنطق النفعية على حساب الأولاد والأبناء، من خلال كثرة إنجابهم، ليكونوا معينين لآبائهم على سبيل السخرة لا على سبيل حق الوالد على ابنه.
أبناء السخرة
فبعض الناس ينجبون الأطفال بكثرة، من أجل الانتفاع من ورائهم، وذلك حتى يكون الرجل صاحب أملاك وأطيان، وأن يكون صاحب عزوة كبيرة من الأولاد يقوم بتسخيرهم للعمل في مجالات البناء والمعمار أو ماشابه، وفي كلتا الحالتين يتفاخر مثل هؤلاء الرجال بأنهم أصحاب أملاك أو أصحاب عزوة من الأبناء يعملون ويدرون عليهم مالاً.
وبالتالي يستمتع الوالد بعرق أبنائه، ويتفاخر بأنه أب الأبناء الذين يرسلون إليه آلاف الجنيهات كل أول شهر، حتى إن بعضهم يتزوج من امرأة وامرأتين لإنجاب الولد، وإرساله للعمل مبكرًا، على ان يعيش الأب كريمًا منعما يرفل بين النساء في نعيم أبنائه.
زواج السخرة
وفي المقابل، تنتشر لدى البعض في القرى خصوصًا، ثقافة تزويج البنات للأثرياء القادمين من الخارج، فتجدهم يجبرون بناتهم في سن صغير على الزواج من أحد الرجال الذي يكبرها بعشرات السنين، وربما يكون في عمر جدها، مقابل بضع آلاف من الريالات والدراهم، ولا يتكفل بشراء أي شيءبهذا المال لجهاز ابنته، حيث يأخذها العريس بالجلباب الذي عليه فقط، وبالتالي يربح الأب من زواج ابنته بدلاً من أن ينفق عليها وعلى تجهيزها.
أما البنت الذي يندر طلابها، فيستعاض عن ذلك بتزويجها من بعض الرجال الذين يرغبون في إنجاب الكثير من الولد، وبالتالي فلا توجد خسائر سواء كان في إنجاب الأبناء الذين يتم الدفع بهم مبكرًا في سوق العمل مقابل مبلغ شهري كبير، أو في إنجاب البنات اللائن يتم زواجهن من بعض الأثرياء والراغبين في التعدد.
اقرأ أيضا:
سلم أمرك لله.. كل شيء يحدث في أرض الله بمقدور اللهحقوق الأبناء في الإسلام
راعى الإسلام الحنيف جوانب متعددة لتربية الطفل منها التربية الإيمانية العبادية، والتربية البدنية، والتربية الأخلاقية، والتربية العقلية، والتربية الاجتماعية.
فيجب رعاية وتنشئة الطفل تنشئة سليمة يتمثل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقي وزوجة صالحة، وفي ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، وبإنفاق الأب على أسرته، لا ان يجلس الأب بلا عمل ويعتمد على أسر أبنائه.
ووضع الإسلام الحنيف ضوابط للحفاظ على الطفل في كل مراحل حياته، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحمل كل فرد من أفراد الأمة مسؤوليته تجاه أسرته وأبنائه، فقال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقال أيضاً: «لأن يؤدب الرجل ولده خيراً له أن يتصدق بصاع»، ومن ثم تكون تربية الطفل في الإسلام بمثابة درجة من درجات التقرب من الله.
وبالإضافة إلى حق الطفل في الحضانة أن يكون بين أمه وأبيه، ينعم بتربيتهما أيضاً له الحق في النفقة، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكن، ويضاف إلى ذلك رعايته وجدانياً، وذلك بالإحسان إليه ورحمته وملاعبته وإدخال السرور عليه، وكذلك رعايته علمياً وتعبدياً، وتعليمه الإيمان والقراءة والكتابة، والصلاة والصيام، وأعمال البر، وأخيراً رعايته سلوكياً واجتماعياً، وذلك بتعويده على الفضائل ومكارم الأخلاق، وحسن اختيار صحبته، والدعاء له وتجنب الدعاء عليه، وكذلك احترامه وتشجيعه.
فيحتفى به غاية الاحتفاء، ويكرم غاية التكريم، فضلاً عن أن حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية أكثر من ذلك، فقد حمت الشريعة الإسلامية الطفل من التبني، وتغيير العقيدة، والاسترقاق، وحفظت حقوق اللقيط والمريض وذوي الاحتياجات الخاصة، وحفظت حق الطفل في الحياة وتحريم المتاجرة في أعضائه البشرية تحريماً أبدياً، وقد أقرت الشريعة الإسلامية حقوقاً للطفل غير مسبوقة كحقه في اختيار الأم ذات الأخلاق الحميدة، وحقه في الاسم الحسن، وحقه في الإنجاب داخل الأسرة، وحقه في الرضاعة، وحقه في بيئة رحمية طاهرة، وحقه في التربية الإيمانية، وحقه في الحماية من النار والشيطان، كذلك حمت الشريعة الإسلامية حق الطفل في الوصية الحنونة الهادئة، وحقه قبل الميلاد في الميراث، وحقه في الوصية والميراث الشرعي.
ومما جاءت به الشريعة وأوجبته في حق المولود على الوالد النفقة عليه حتى يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى، فقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله».
وقد أمرنا الله أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من النار يوم القيامة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، «سورة التحريم: الآية 6».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حليماً في تعليم وتربية الأطفال، وروى عمرو بن سلمة قال: «كنت غلاماً في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. فما زالت تلك طعمتي بعد».
فهدف الإسلام أن يخرج طفلاً سوياً ينمو عقله مع جسده، وتنمو كذلك أخلاقه مع علاقاته الاجتماعية، وليس طفلا أسيرا عند رجل غريب يعمل عنده بالسخرة، ولا تدري ماذا يفعل فيه وهل يعامله بالحسنة أم لا؟ وهل الرجل أمين على طفلك أم لا؟ وهل يعمله حسن الخلق أم سيفسده، وهل طفلك في أمان على جسده أم أنه يتعرض لبعض الأذى الجنسي من أصحاب النفوس الضعيفة في وقت قل فيه دين وخلق الناس.
فالافتخار بكثرة إنجاب الولد لتسخيرهم ليس من الإسلام في شيئ، فأبناؤك يستحقون الرعاية وليس أن تنظر إليهم على أنهم أسرى لديك، أو ما ملكت يمينك.
قال تعالى: (للَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
فلا تبدل نعمة الله عليك من إنجاب الإناث والذكور في أن تستعبدهم، وتجعلهم أسرى لديك تجني من ورائهم المال.
اقرأ أيضا:
جبر الخواطر .. أعظم عبادة تقربك من الله .. فضائل لا تحصى لهذا الخلق تؤمن لك معية الرحمن في المخاطر