تعرف السعادة الحقيقة بأنها تتمثل في الانصياع للأوامر الإلهية في الدنيا حتى ينالوا السعادة الأبديَّة في الجنة، وقد عرّف الأصفهاني السعادة بأنها تيسير الله الأمور للإنسان لينال الخير، ولو اختلفت الصياغة فإن السعادة في الإسلام هي راحة البال، والقصد بها القلب النقي والضمير الحي،
وتوجد آيات عن السعادة في القرآن، حيث يَهدي الله عباده إلى طريق السعادة في مواطن كثيرة من القرآن، وهذا أهم ما يشتمل عليه مفهوم السعادة في القرآن الكريم في مقدمتها ما جاء في سورة آل عمران ""وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ".
وكذلك تحدث القرآن عن السعادة في مواضع أخري : يَومَ يَأتِ لا تَكَلَّمُ نَفسٌ إِلّا بِإِذنِهِ فَمِنهُم شَقِيٌّ وَسَعيدٌ * فَأَمَّا الَّذينَ شَقوا فَفِي النّارِ لَهُم فيها زَفيرٌ وَشَهيقٌ * خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُريدُ * وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ" سورة هود
ومن أكبر مظاهر رحمة الله بعباده أن جعل الأسباب الموصلة لسعادة القلب مطلوبة منهم ؛فالرضا بالله وبرسوله ﷺ ، وبدينه، وبسنن الله في كونه هو سبيل السعادة الحقيقية، بل هو السعادة الحقيقية حيث أجمع العلماء : الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا وسراج العابدين، والرضا من الأخلاق التي حث الله ورسوله المسلمين عليها، بل هو دليل الإيمان بالله وبرسوله، وبدينه، وقدره.
الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء قسم في منشور له علي "فيس بوك " الرضا إلي قسمين : الأول: الرضا بالله، والثاني: رضا الله، فالأول رضا مطلوب من العبد وبه تتحقق السعادة الدنيوية، والثاني رضا يرجوه العبد من ربه، وبه تتحقق السعادة في الدنيا والآخرة، والثاني مترتب على الأول في الظاهر، وفي الحقيقة الأول هو أثر للثاني فقد قال سبحانه وتعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فقدم سبحانه رضاه عنهم أولًا، ثم ذكر رضاهم عنه، ثم ذكر ما أعد لهم من جزاء.
وبحسب الدكتور جمعة فإن القسم الأول –وهو الرضا بالله- مطلوب من العبد فسيكون هو بيت القصيد في الكلام عنه، فلابد أن نعلم أن الرضا بالله وبما قضى واجب متفق على وجوبه والسخط على الله وقضائه حرام، متفق على حرمته بل قد يخرج المرء من دائرة الإسلام ولذلك فإن أمر الرضا جليل ومطلوب من المسلم في الشرع الحنيف.
ودلل علي أهمية ذلك بقال الله سبحانه وتعالى: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ" .
وقد قال النبي ﷺ: "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» "رواه الترمذي"، وكذلك روي عنه ﷺ أنه قال: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا" "رواه مسلم".
ومن ثم فالرضا الحقيقي عز للمؤمن وغنى له عما سوى الله ويظهر أثر ذلك في القناعة فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ،واعمل ما شئت فإنك مجزي به ،وأحبب من شئت فإنك مفارقه ،وأعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ،وعزه استغناؤه عن الناس"
وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه» (رواه مسلم" وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع"
عضو هيئة كبار العلماء استدرك قائلا :وإذا كان الرضا مطلوباً من العبد فإنه يجب أن يسعى لتحصيله ،ومن الأشياء التي قد تتعارض مع مقصود الرضا المصائب ،ولكي تهون على المرء المصيبة فعليه بالنظر إلى جلال من صدرت منه وحكمته وملكه ،قال ابن الجوزي في قوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ" أعلم أن من علم أن ما قضي لابد أن يصيبه قل حزنه وفرحه.
وفي هذا السياق اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يمش مع القدر لم يتهن بعيش ، وليعلم قوله عليه السلام: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" وقوله عليه السلام: "الدنيا دار بلاء فمن ابتلي فليصبر ومن عوفي فليشكر" وقوله: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل".
وينبغي علينا أن نعلم أن تحصيل رضا الله سعادة القلب يكون برضا العبد عن الله ،ويكون كذلك باسترضاء من طلب رضاهم ؛كرضا رسوله ﷺ ورضا أوليائه ورضا الوالدين ، وقد ثبت عن سيدنا رسول الله ﷺ أنه قال: «رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين»