ليس أتعس من الإنسان حينما يجد الخنجر المسموم في ظهره موجهًا إليه من القريب أو من الأخ أو من الصديق، لذلك حذرت الحكمة العربية الأصيلة من طعنة القريب، فجاء على لسان الشاعر:
احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فربما انقلب الصديق وكان أعلم بالمضرة
ويقول المثل الشعبي الدارج: " دخان القريب يعمي".
فأنت حينما تحتاج إلى عون الصديق أو الأخ، في وجه العدو، ثم تفاجأ بأن الصديق أشد بؤسا وعداوة عليك من العدو، في هذا التوقيت ربما تنهار تماما، ولا تعرف كيف تتصرف وماتذا تفعل، وقد وجدت أن الصديق أشد عداوة من العدو نفسه.
لهذا قد حذر الله عز وجل من الخيانة، وقال تعالى في كتابه : " ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾سورة الأنفال.
والخيانة هي عَكس الأمانة، وهي نقصان في الوَفاء، وتفريط الإنسان في حقوق الغير التي تحت يديه؛ ماديَّة كانت أو معنوية، أو تبديدها، أو إفشاؤها وإذاعتها.
ظننتك من أهلي
ورد في الأثر قصة جميلة عن الوفاء والخيانة، والخنجر المسموم حينما يكون من الأهل والأصدقاء، وهي أن العرب قديما كانوا حينما يقيمون الأفراح يوزعون قطع اللحم عبر لفها بالخبز .
فإذا وجد صاحب الفرح أن عدد الحضور يفوق عدد قطع اللحم لديه أو يخشى التقصير.. كان يقوم بلف الخبز ببعضه (بدون لحم) ويوزعه على أقرب الأقربين ممن يعتقد أنهم سيسترونه ليوفر اللحم للغرباء.
أحد هؤلاء الرجال كانت له مناسبة فوزع الخبز بدون لحم على عدد من أقاربه وأصدقائه من الذين "يحسن الظن بهم" .. فبدأوا بأكلها وكأنها تحتوي على اللحم، لعد إحراج الرجل أمام الغرباء من الذين حضروا الفرح.
إلا أن أحد هؤلاء الأقارب فاجأ الرجل حينما فتح الخبز ونادى عليه، وقال له: " الخبز بدون لحم"
فرد عليه صاحب البيت قائلا: حقك علي رأسي فقد ظننتك من أهلي.
اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟نماذج أخرى من طعنة القريب
وامتلأ التاريخ بنماذج الطعن في الظهر وخاصة من الأصدقاء، وهو أنكى وأشد ألمًا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم سمه اليهود الذين أمنهم في المدينة، وعمر الفاروق رضي الله عنه قتلَه أبو لؤلؤة المجوسي، وعثمان قتلَتْه يدُ الغدر، وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة.
وجاء في الأثر: "لا تقوم السَّاعة حتى لا يَأمن المرء جليسَه.".
ومن أشد نماذج الخيانة أبو رغال، حيث يعدُّ أبو رغال الخائنَ الأكبر، الذي جعَل من نفسه دليلًا وعميلًا لأبرهةَ الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة، ولقد مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقبره فرجَمه، فأصبح رَجمُه سنَّة.
وعد عبدالله بن أُبي بن سلول أبو المنافقين، حيث خان النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد؛ عندما خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ألفٍ من أصحابه، انخزل عنه عبدالله بن أُبي بن سلول بثُلث الجيش، وقال قولته المشهورة: "أطاعهم وعصاني!"، يقول: "ما ندري علامَ نَقتل أنفسَنا هاهنا أيها الناس؟".