استقرار البيوت هدف سامٍ وغاية نبيلة سعى الإسلام لتحقيقها منذ جاء عبر عدة تشريعات اجتماعية وأخلاقية حصينة.
والخروج على هذه التعليمات يعد خرقًا اجتماعيًا ودينيًا ينتج عن الكثير من
المشكلات التي تقوض استقرار الأسرة بل ربما تدمرها بحسب نسب ونوع التجاوزات، فنسمع كثيرا عن زيادة نسب الطلاق وارتفاع الخصومة الزوجية وظواهر طرد الأبناء وإهانات الزوجة وغير ذلك من المشكلات التي امتلأت بها ساحات المحاكم.
وعن أهم أسباب انهيار البيوت يوضح د. محمد فرحات أن أغلب العلاقات البشرية قائمة بالأساس على التمتع بالمزايا الشخصية، فعلاقة الصداقة مثلاً تنشأ وتتطور بناء على ما يتمتع به كل صديق، من صفات وخصال تتناسب مع الطرف الآخر، والعيوب المنفرة تحدث تباعداً تلقائياً بين الطرفين، وتنتهي العلاقة بشكل بيولوجي النزعة.. بغير قرار واختيار في الغالب.
ويضيف في كتابه الذي تحت عنوان "لماذا تنهار بيوتنا" أن العلاقة الوحيدة بين البشر التي تقوم بالأساس على تقبل العيوب، والتكيف والتعايش معها هي علاقة الزواج، تلك العلاقة لها هندسة فريدة، وقوانين فيزيائية قل أن تجدها في أي علاقة أخرى، علاقة الزواج تؤسس على تقبل العيوب، وتتجمل بالاستمتاع بالمحاسن، معتبرا أي تغيير في ترتيب تلك المعادلة يؤدي إلى تصدع في العلاقة، وقد تتزايد الشروخ الداخلية حتى ينهار البنيان بأكمله.
ويضيف أن الكثير من حالات الفشل المعاصر في الحياة الزوجية، وسرعة تصدع وانهيار البناء للأسرة، رغم توفر الكثير من عوامل النجاح الظاهرية، على عكس الواقع الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا.
ويذكر " فرحات" أن قد كانت حياة هؤلاء أكثر مشقة، وشظفاً بلا ريب، وكانوا يقاتلون حرفياً للحصول على أدنى متطلبات الحياة الآدمية، رغم ذلك الشقاء الظاهري إلا أن حياتهم الزوجية كانت أكثر استقراراً بلا نزاع، والسر في ذلك: هو استقامة البناء الهندسي لديهم، فلم تكن الحياة الزوجية عندهم مبنية على الاستمتاع بقدر ما هي مبنية على التكيف والتعايش فحياتهم لم تكن بالضرورة أجمل.. ولا هي الشكل الأكمل.. لكنها كانت عملية، وواقعية، وكانت أكثر نضجاً وحكمة، وأكثر عقلاً ربما كانوا أقل منا تعليماً وثقافة، لكن شتان بيننا وبينهم في العقل !!!
ويستطرد " فرحات" بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)[مسلم، ويفرك: يعني يبغض]، قال الإمام النووي: "أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ"، قال ابن الجوزي: "وَالْمرَاد من الحَدِيث أَن المؤمنة يحملهَا الْإِيمَان على اسْتِعْمَال خِصَال محمودة يُحِبهَا الْمُؤمن، فَيحمل مَا لَا يُحِبهُ لما يُحِبهُ" .
وينصح بأهمية أن يحتمل كلا الطرفين الآخر داخل
الأسرة وأن يتحمل ما لا يحبه... لما يحبه وأن يحتمل ما ينغصه... لأجل ما يسره، وأن يغض الطرف عن النقص البشري، الذي لا مفر منه.. ويعلم أن تلك العيوب شيء لا بد منه.. وأن علاقة الزواج ليس لها نظير في القرب، وكلما قربت الشيء من عينيك أكثر.. ستراه أكبر وأكبر؛ لذا يرى كل من الزوجين في صاحبه من العيوب ما لا يراه غيرهما.. ويتعرضان لدواخل النفوس كما لا يفعل غيرهما.
فمن بنى تصوره عن الزواج بغير اعتبار لتلك الحقائق.. مهما كانت مرة.