القلب عنوان كبير لمشاعر متضاربة داخل الإنسان، ربما يطمئن تارة ويسير بصاحبه في الطريق بهدوء، وربما ينقلب تارة أخرى، فيصخب ويتمرد ويثور ويرفض ويتخبط في الطريق، فيضل بصاحبه، وكما نعرف جميعا سمى القلب قلبا، ﻷنه متقلب بين قوى الخير وقوى الشر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر فى غليانها ).
بين هذا وذاك فاحذر
وعن على وأبو حذيفة رضى الله عنهما، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "القلوب أربعة ... قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن ، وقلب أغلف فذاك قلب الكافر، وقلب منكوس فذاك قلب المنافق، وقلب فيه مادتان : مادة تمده باﻹيمان ومادة تمده بالنفاق، فأولئك قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) رواه اﻻمام أحمد فى مسنده .
وفي الفتن قد يتحول القلب من حال إلى حال، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا".
لذلك ربما تجد نفسك اليوم مطمئنا حينما تجد قوت يومك سعيدا فرحا بمنصب أو مال أو نجاح في عمل أو دراسة، وربما تجد نفسك متمردا حينما تجد عكس ذلك، وقد قال الله تعالى في ذلك : "فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ " سورة الفجر.
لذلك من الواجب أن يحذر الإنسان من خبيئة السوء في القلب وهي أن يتجمل الإنسان بالعلانية في الدين أمام الناس، وإذا خلا والتقى بالله جعل الله عز وجل أهون الناظرين له، هذا هو الداء الخفي خبيئة السوء، انطوت عليها القلوب، فأنت في بعض الأوقات قد تجد لسانا شاكرا ولكن قلبك غير صاف، وقد تجد نفسك أمام الناس هادئا مطيعا ولكن مع ربك ربما تجد نفسك متمردا غير راض عما قسمه لك.
لذلك فالقلب هو عنوان ما يمتلكه الإنسان من المشاعر، وهو عنوان ما تخبئه في صدرك من الحمد والرضا أو من اليأس والسخط.
ومن أجل هذا عرف النبي صلى الله عليه وسلم سر القلوب، وعرف أن أخطر ما يواجه الإنسان في حياته قضية انقلاب القلوب والتي كان يستعيذ منها صلى الله عليه وسلم، وقد ضمن الله له الهداية والإسلام والجنة وعلى ذلك أكثر ما كان يدعو "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
وكانت عائشة تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء في كل حين فكان يقول لها يا بنت الصديق: "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك".
وكان من قسمه صلى الله عليه وسلم إذا أقسم بالله أن يقول: يا مقلب القلوب هذا القسم الذي يُذكر به أمته، إن هذا القلب الذي أعطاه الله فيه الإيمان قادر على أن يسلبه منه في أي لحظة من سيئات الأعمال وغرور الأنفس، فالذي يعطى قادر على أن يسلب، ولذلك يقول الحق سبحانه: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: من الآية30].
وصف نبوي لقلبك فهل تجده في نفسك؟
في الحديث المذكور سالفا يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف هذا القلب بتقلبه فيقول: "إن هذا القلب يتقلب أشد من تقلب القدر، إذا ما فار غلياناً".
تصوير عجيب، القلب المتقلب كالقدر الموضوع على النار، تفور من تحته النار فتحرقه ، الماء الذي كان فيه بارداً رقراقاً يشرب هنيئاً مريئاً ثم تحول إلى حار حارق ذو فوران سريع لا ذرات تتقارب ولا فقاعات تتماسك و لا يستطيع أحد أن يلمسه لشدة فورانه وحرارته.
وكما صور النبي صلى الله عليه وسلم حالة القلب ودائه، كشف لنا دواءه فنصح امته بالمبادرة قبل أن تنقلب القلوب، فيقول صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل".
ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةبرصيصا وفتنة القلوب
كان برصيصا من أعبد الناس، جلس في صومعته لا يخالط العالم، اعتزل شرورهم وجاءه أخوان معهم أخت لهم، قد أصيبت بمس من الجن، فقالوا له: اقرأ عليها ارقها لعل الله يشفيها على يديك، وكانت جميلة حسناء، فقام فقرأ عليها فشفيت فكان إذا تركها عاد إليها الشيطان، فإن رقاها خرج منها فتركها أخواها عنده يعالجها فجلس هو في صومعته وجلست الفتاة في غرفة بعيدة عنه، وفي يوم من الأيام قال له الشيطان اجلس أنت على مدخل الصومعة والمغارة، وهي عند الباب تحدثها وتحدثك تذكرها بالله والآيات و النصائح، وفي اليوم التالي قدم لها الطعام بيدك.
قال أجلس معها بالداخل، ولما اختلى بها وقع بها فحملت منه وتورط وخشي الفضيحة إذا ولدت وجاءه الشيطان فقال له لم أنت خائف اقتلها هي وجنينها وادفنها لا يعلم بك أحد، وإذا جاء أخواها فقل: جاءها الشيطان فتلبسها فهلكت وأطاع الشيطان وذلك العابد فقتلها هي وجنينها ودفنها بعيداً، عن المغارة، فجاء أخواها وقالوا: أين اختنا فقال: تلبسها الشيطان وذهب بها، وقال الشيطان للأخوين لما خلا أحدهما إلى الآخر جاء لكل واحد فقال: أختكم فحش بها العابد فحملت فخنقها هي وجنينها وهي في المكان الفلاني، فذهبوا فحفروا المكان وجاءوا إلى العابد وعرضوه للصلب وجاءه الشيطان، وقال له: ما تقول: لا يملك تخليصك من هذا القتل غيري، أطعني، اسجد لي فسجد له، فلما سجد له وأشرك بالله تولى عنه الشيطان وهو يضحك وتركه يُشنق كافراً ملحداً زانياً .
فانظر لبداية الانقلاب من خلال خطوة واحدة من خطوات الشيطان ثم هو في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:175-176].
وضرب الله لنا مثل بقوم موسى الذين أنعم الله عليهم وفضلهم على العالمين، ضرب مثلاً في انقلاب القلوب وليس انقلاب قلب واحد، ولكن انقلاب أمة كاملة بالإجماع، انقلاب رهيب (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: من الآية5].
فلا تكن مثل الفئة التي وصفها القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.. كانت فقيرة مسلمة مؤمنة بربها ولكنها في يوم من الأيام ضاقت بالفقر ولم يعجبها حياة الفقراء فأخذت تدعو الله وتناجيه في صلاة الليل، إن أعطيتنا، إن أغنيتنا لنصدقن ولنجاهد ويقسمون على ذلك، فلما أغناهم الله تولوا عن الله ولم يوفوا بما عاهدوا الله، هذه صفة أصحاب القلوب المريضة.
(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [التوبة:75-78].
اقرأ أيضا:
تتبع خطوات الشيطان بمواقع التواصل حتى الوقوع في فاحشة الزنا.. كيف تتجنبه وتتوب منه؟