تنتشر الكثير من الشكاوى النسائية على مواقع الاستشارات والفتاوى، التي تأتي في أغلبها عن مشكلة تعرض هؤلاء الزوجات للخيانة الزوجية من رجالهم، الأمر الذي يحزن المرأة بشكل كبير، ويؤدي لخراب المنزل، والطلاق، بل وعزلة المرأة بشكل كبير عن المجتمع، ورفض تجربة الزواج مرة أخرى، بعدما اعتبرت أنها تعرضت للطعن في كرامتها وأصبحت تكره الرجال بشكل كبير، لدرجة أنها قد تعتبر أن كل الرجال خائنين.
وتسبب الخيانة الزوجية شعورًا عميقًا من الحزن والألم، والانهيار، مما يقوض أساس الزواج نفسه، والخيانة ليست موقفًا فرديًّا ذا تعريف واضح، فمفهوم الخيانة يختلف بين الأشخاص سواء كانوا متزوجين أو غير متزوجين، فالخيانة ليست فقط في ارتكاب أحد الزوجين جريمة الزنا، ولكنها قد تكون خيانة الأمانة، أو خيانة الدين.
أم حبيبة زوجة الرسول وزوجها الأول
حينما تتعرض المرأة للخيانة من زوجها بارتكاب جريمة الزنا مع أخرى، فليس أسهل من طلب الطلاق، والبتعاد عن هذا الزوج االذي لم يقدرلا عشرته مع امرأته، وهذه وبالرغم من عظم أثرهاا النفسي على المرأة، إلا أنها لا تساوي شيئا مما تعرضت له أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، حينما تعرضت لخيانة أشد بطشا وبأسا من زوجها الأول، واالذي قام بخيانتها على مستوى غير مسبوق، فما هي القصة؟.
تزوجت أم حبيبة رضي الله عنها قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زواجها هذا من عبيد الله بن جحش الأسدي ، وعاشت معه تلك التجربة القاسية التي لاقاها المؤمنون في بدايات الدعوة المكيّة من تعذيب واضطهاد وطرد، وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة ، ولم يكن ثمّة مخرجٍ من هذه الحال سوى هجرة الأوطان وترك الديار ، إلى أرضٍ تسمح لهم بحريّة العبادة ، ووقع الاختيار بين الزوجين بعدما أمر النبي بالهجرة لهذه الأرض على الحبشة ، و هاجرت أم حبيبة مع زوجها إلى الحبشة ليظفروا بالأمن والأمان وليتمكنوا من عبادة الله.
إلا أن أم حبيبة لم تدم سعادتها طويلا، وفوجئت بالمصيبة التي حلت على رأسها، فقد حدث لها ما لم يكن في الحسبان.
تحكي أم حبيبة مصيبتها وتقول : " رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها ، ففزعت من نومي واستيقظت، فقلت في نفسي: تغيّرت والله حاله، فلما أصبح الصباح دعاني عبيد الله بن جحش وقال لي : يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين قبل إسلامي ، فلم أرى ديناً خيراً من النصرانية ، وكنت قد دنت بها، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية، ففزعتُ أم حبيبة من قوله بعدما اعلن أنه ارتد عن الإسلام، وقلت : والله ما هو خيرٌ لك . وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيتها فيه ، فلم يحفل بها ، وأكبّ على الخمر يعاقرها حتى مات .
فتصور أن الزوج االذي ذهب مع زوجته هاربين من بطش قريش، ولكي يتمكنا من عبادة الله، يقوم بخيانتها بهذا الشكل ليس بمجرد الخيانة التي نعرفها من ارتكاب جريمة الزنا، ولكن الخيانة بمفهومها الشامل بعدما تخلى عنها وارتد عن دينه ودينها الذي حاربا من أجله، والانصراف عنها والذهاب للخمر والموبقات والنساء، وترك زوجته الغريبة تعاني من أثر خيانته لها وهو يعلم أنه ليس لها أحد في هذه البلاد ولا تدري كيف تفعل.
اقرأ أيضا:
سلم أمرك لله.. كل شيء يحدث في أرض الله بمقدور اللهالعوض الإلهي عن خيانة الزوج
تقول أم حبيبة: "فأصابني من ذلك همٌّ وغمٌّ عظيمين ، إلى أن رأيت فيما يرى النائم من يناديني قائلاً : يا أم المؤمنين ، فأوّلتها أن رسول الله يتزوجني ، فما هو إلا أن انقضت عدّتي ، حتى أتاني رسول النجاشي يستأذن الدخول عليّ ، فإذا هي جاريةٌ له يقال لها أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلتْ عليّ فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجك إيّاه ، ففرحت وقلت : بشّرك الله بخير ، فقالت لي : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد العاص فوكّلته ، وأعطيتُ الجارية ما عندي من حليٍّ وجواهر مكافأةً لها على ما بشّرتني به .
فلما كان العشي أمر النجاشي بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين ، فخطب النجاشي فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام ، المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنّه الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام ، أما بعد : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبته إلى ما دعا إليه ، وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، فتكلم خالد بن سعيد فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أما بعد : فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، فبارك الله لرسوله . ثم قام ودفع إليّ الدنانير ، ثم أرادوا أن يقوموا ، فقال لهم النجاشي : اجلسوا ؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج ، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ".
وتواصل أم حبيبة حكايتها : " فلما وصل إليّ المال أرسلتُ إلى الجارية التي بشّرتني ، فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذٍ ولا مال بيدي ، فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستغني بها ، لكنها ردّت إليّ كل ما أعطيتها ، وقالت : عزم عليّ الملك ألا آخذ منك شيئا ، وإني قد تبعت دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله ، فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله مني السلام ، وتعلميه أني قد اتبعت دينه ، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة أخبرته كيف كانت الخطبة ، وما فعلت بي الجارية ، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( وعليها السلام ورحمة الله ) .
واحتفلت المدينة بهذا الحدث العظيم سنة 7هـ ، وكان عمرها يومئذٍ 36سنة ، وأنزل الله تعالى في شأن هذا الزواج المبارك قوله : {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } ( الممتحنة : 7 ) .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " ..فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أم المؤمنين ، وصار معاوية خال المؤمنين " .
من هي أم حبيبة؟
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان ، صخر بن حرب بن أمية القرشية ، أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و عتبة والي عمر بن الخطاب على الطائف .
وهي بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس من أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي نائية الديار أبعد منها.
ولدت قبل الإسلام ، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ، وهي من الثلّة المؤمنة التي أسلمت مبكراً في مكة.
شهد لها القريب والبعيد بالذكاء والفطنة ، والفصاحة والبلاغة ، ، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام عندما تنصّر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، حتى تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وصارت أما من أمهات المؤمنين.
لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه منها .
كان لها مع والدها أبي سفيان وقفة براءٍ من الشرك وأهله ، فإنه لمّا قدم المدينة راغباً في تمديد الهدنة ، دخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه ، فاستنكر والدها ذلك وقال : " يا بنيّة ، أرغبتِ بهذا الفراش عنّي؟ ، أم أم رغبتِ بي عنه ؟ "، فأجابته إجابة المعتزّ بدينه المفتخر بإيمانه : "بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤ نجسٌ مشرك " .