بقلم |
أنس محمد |
الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 - 10:43 ص
نسمع كل يوم عن ما يلوث الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، فالفطرة هي الطهارة التي أمر الله بها الإنسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر"، وهي حسن الخلق وقال النبي أيضًا: "إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، وهي العفة، وهي الشرف، والشهامة، وهي المروءة، وهي اللجوء إلى الله وعبادته وحده، وهي العمل بالقرآن فالقرآن هو مرجعية الفطرة السليمة، وهي الغنى بالله، وهي عدم سؤال الناس، وهي النظافة.
ماهي الفطرة؟
كلما وجدت شيئًا يدل عليه الإسلام لن تجده مخالفًا للفطرة الإنسانية أبدا، فالفطرة لا تدفع لشرب الخمر، ولكنها تدفع لشرب الماء واللبن، والفطرة تدفع إلى حب النساء والزواج منهم ولا تدفع إلى الزنا بهم، والفطرة تدفع إلى الأمومة ولا تدفع إلى الشهوانية والارتماء في أحضان الرجال، والفطرة تدفع إلى الكرم ولا تدفع إلى البخل.
ولكن هناك من يسر بخلاف ما جاءت به الفطرة، فيعيث في الأرض فساد، ويلبس على المؤمنين فطرتهم ودينهم الذي دانوا به لله، فقد تجد هناك من يهاجم القرآن ويتعجب لمن يقرأه ويحضه على تركه بزعم أن القراءة في العلوم المدنية أولى، رغم أن القرآن أمر أول ما أمر بالقراءة في علوم الله والبحث في كون الله، ومنهم من يهاجم الحجاب بزعم التحرر، رغم أن الفطرة تدعو وتندفع للاحتشام والعفة، ومنهم من يزني بزعم الفن والإبداع ثم يهاجم من تتحرك مشاعره إثما للتحرش بالنساء، رغم كونه هو السبب الوحيد الذي يدفع للفساد ويدعو للتحرش باستثارة الشباب بالأفلام الجنسية.
استفت قلبك
فحينما تجد هذا النوع من البشر يخيل لك الفحشاء ويلبس عليك دينك، فارجع فورا إلى الفطرة السليمة، وحينما يضيع الحق في الباطل بسبب كثرة الباطل وانتشاره، فارجع فورا إلى الفطرة وهي ستدلك على الحق، فالنبي يقول وهو يعلم أن الفطرة السليمة محلها القلوب السليمة: " استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك".
وحينما تجد شياطين الإنس والجن في كل زمان ومكان يبذلون كل ما يستطيعون لأن يكفرَ الناسُ بربهم وتنتكسَ فطرتُهم، فيدعونهم إلى الشرك والإلحاد، والرذيلة والفواحش، فسارع إلى الفطرة وهي ستدلك على الحرام، فقد عرف الصحابة ربهم وأمنوا بالنبي حينما رجعوا لفطرتهم السليمة، فحينما سئل أبو بكر الصديق كيف عرفت ربك أجاب: " عرفت ربي بربي".
فالفطرة هي التي حببت الناس في الإسلام، حينما رأووا أن الإسلام هو الفطرة، فما هو السر في أن ينجذب الناس إلى دين يعاني أهله وبلدانه من كل هذه المشاكل؟ ذلك السر هو سرُّ الفطرة، الفطرةُ التي خلقها الله في كل الناس على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وطبائعهم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:30]. والفطرة التي هي الخِلقةُ الربانيةُ الأصليةُ التي متى ما كانت سليمةً فإنها تقرّ بالربّ الخالق، وتُسلِمُ له، وتعبدُه إلهًا واحدًا لا شريك له ولا نِدَّ له.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ -يعني سليمة-، هلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ" -أي مقطوعة الأذن-.
قلوبَ بني آدم التي فُطِرَتْ على معرفة الخالق وتوحيده، بالبهيمة السالمة التي متى ما تُرِكَتْ فإنها ستبقى سالمةً من العيوب، حتى يتدخل بعضُ الناس فيقطعون أُذنها فيصيبها العيبُ والنقص. وكذلك المولود يُولَد على فطرةٍ سليمةٍ مقتضيةٍ للإسلامِ ووحدانيةِ الله، فمتى ما تُرِكَتْ أقرَّت لله بالعبودية.
الفطرة هي السر الذي يجذب الناس في أقطار الأرض إلى الإسلام، فهم يستجيبون لنداء فطرتهم، ويجدون في الإسلام ما يوافق أصل خِلقتهم، ويلبّي احتياجاتِهم الفطرية، فتحقق حينها سعادتُهم واطمئنانُهم النفسي والروحي.
وحين تكتشف هذا السرَّ فإنك تستطيع أن تَحُلّ اللغزَ المحيرَ الذي يجعل كثيرًا من الناس في القديم والحديث، يتحوّلون إلى الإسلام بعد أن كانوا أشد المحاربين له. فمن عمرَ بن الخطاب إلى أبي سفيان وزوجِه هند آكلةِ الأكباد، إلى ما نسمعه من حين إلى آخر في عصرنا هذا من تلك التحولات العجيبة.
فحينما ترجع لفطرتك السليمة حتما ستجد الله أمامك، فكم من أناس هاجموا الإسلام، مثل المنتجُ السينمائيُّ الهولنديُّ "فان دورن" الذي أنتج فيلمًا مسيئًا للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فتحوَّل بعد ذلك إلى مسلم يشهد لله بالوحدانية ولنبيه محمد بالحبّ والرسالة، وتحوَّل من عضوٍ في أحد الأحزاب المتطرفة المشهورة بمعاداة الإسلام في هولندا إلى ناشطٍ في الدعوةِ إلى الإسلام ونشرِ مبادئِه وقِيَمِه.
مثله كمثل ثمامةَ بن أثَال -رضي الله عنه- حين قال للحبيب -صلى الله عليه وسلم- بعد ما أسلم: "يا مُحَمَّدُ!، وَاللَّهِ، ما كانَ علَى الأرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِن وَجْهِكَ، فقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَاللَّهِ، ما كانَ مِن دِينٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ، وَاللَّهِ، ما كانَ مِن بَلَدٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلَادِ كُلِّهَا إلَيَّ".
فالناس مازالوا يُقْبِلُون على اعتناق الإسلام بأعداد كبيرة، دون إجبارٍ من أحدٍ، رغم الهجوم على الإسلام ليل نهار، لأنهم متعطشون للراحة النفسية والاطمئنان الروحي الذي يُقدّمه لهم الإسلام.
فالفطرة هي استقباح الفواحش، وهي ما اشتد قبحه من الأقوال والأفعال مثل الزنا واللواط والبذاءة، فتلك الفواحش جُبِلَ الناسُ على بُغضها واستنكارها، فمن ذا الذي يرضى الزنا على زوجته؟! أو يرضى اللواطَ على ابنه؟! فتلك الفواحش يأنفُ أصحاب الفِطَرِ السليمة عن مجرد ذكرها، فضلاً عن الرضى بفعلها.
ومع ذلك نجد من أعمالِ الشياطينِ أنهم يحرفون الناسَ عن فطرتهم، ويسعَوْن لتغيير أصل خلقتهم. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: "وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا".
شياطين الإنس والجن في كل زمان ومكان يبذلون كل ما يستطيعون لأن يكفرَ الناسُ بربهم وتنتكسَ فطرتُهم، فيدعونهم إلى الشرك والإلحاد، والرذيلة والفواحش، من زنا المحارم، واشتهاء الأطفال، وتزيين الفاحشة، وتطبيع الشذوذ، وغير ذلك مما يضاد الفطرة السليمة.
ماهو ميثاق الفطرة؟
ميثاق الفطرة السليمة أخذه الله تعالى على عباده فيقول في كتابه الحكيم: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف:172-174]. الحفاظ على الفطرة السليمة يحفظ الإنسان ويبقى على الخير والعدل والأمانة والصدق، ويبعد عن الظلم والخيانة الكذب، بالحفاظ على الفطرة السليمة تُحفظ الأعراض من الفحش والرذيلة، وتغيير الجنس ونشر الشذوذ، ويبقى المعروف معروفًا، ويبقى المنكر منكرًا.