الإنسان بحاجة للهدوء والسكون، لأن الحياة مُرهِقة، وأكثر شيء يمكن أن يساعدك على أن تعيش في سكون وهدوء، هو ذِكر الله، فأنت حين تذكر الله ليس فقط لأنه يستحق أن يُعبَد وأن يُذكَر، لكن لأنك أتعبتك الحياة، والخالق وعدك باطمئنان قلبك إذا ذكرته؛ فيقول سُبحانه وتعالى: "الَّذين آمَنُوا وتَطْمَئِنّ قُلُوبُهم بذِكرِ الله ألَا بذِكر الله تطمَئِنّ القُلُوب".
والحياة فيها نوعان من المعاني؛ معان بسيطة مثل الأكل والشُرب والمَلبَس، والهوايات... وغيرها، ومعان عميقة مثل حُب الله، والإيثار، والعطاء، وتقوى الله، والتضحية... وغيرها كثير.
والمعاني العميقة لا تأتي بسهولة بين يوم وليلة؛ لكنها تأتي بالتكرار، وعندما يتبرمج عقلك الباطِن عليها تصبح شيئًا أساسيًا في حياتك، لأن أفعالك ما هي إلّا ترجمة على أرض الواقِع للأشياء المُخزّنة في عقلك الباطن.
ومن تلك المعاني العميقة: تقوى الله؛ فأنت بحاجة لأن تذكُر الله كثيرًا، حتى يثبت في عقلك وقلبك معنى التقوى، ومعنى حُب الله، فتتصرّف على أساس الأشياء التي خزنتها في عقلك الباطن عندما تقابل موقفًا صعبًا من مواقف الحياة.
الشركات الكبرى تحاول دائمًا، تعرّف الموظّفين العاملين فيها رؤيتها، وأهدافها، حتى يعرفوا طبيعة وأهداف الأعمال التي يقومون بها، وكثرة الترديد هي الوسيلة التي جعلها ربنا في الذكر حتى يثبّت بها في عقلك الباطن حُبّه، وذِكره، تقواه.
كثرة الذكر
وكثرة ترديد لا إله إلّا الله، أو الحمد لله، أو سُبحان الله، أو استغفر الله، كُل منها له هدف مثل حُب الله، والرضا بقضاء الله، وعن الله، والإحساس بالإبداع في خلق الله، والتوبة من الذنوب والقُرب إلى الله؛ وأن تستطيع أن ترى المعنى الذي ترغب في تثبيته في حياتك وفي عقلك الباطن حتى تتصرّف لاحقًا على أساسه.
وهذا سيفيدك ساعة تتعرض للصدمات المُفاجأة في الحياة، حتى تثبت عندما تتعرض لها، ولا تعترض على قضاء الله. هناك في عِلم النّفس ما يسمى (Black Night Shock) صدمة الليلة السوداء، وقد تسمّت بذلك الاسم بُناءً على الصدمة التي يُمكن أن يتعرض لها الإنسان في ليلة من اللّيالي وتكون سبب تحوُّله من مؤمِن إلى مُلحِد والعياذ بالله؛ من شَخص ذي خُلُق لشخص ليس لديه أي أخلاق.
لذا كان مِن دُعاء النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – دائمًا: "يا مُقلِّب القُلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك". والنّبي – صلّى الله عليه وسلّم – حتى قبل أن نعرف عِلم النّفس ربّانا على أن الذكر هو الشيء الوَحيد الذي يُمكن أن نتثبّت به عندما نتعرّض لأزمة من أزمات الحياة، حيث الحياة مليئة بالأزمات والصدمات الكثير، ولابد أن تكون مستعدًا لذلك، حتى تستطيع أن تواجه الصدمة بثبات دون أن تتغيّر، وتقلّل المُعاناة لأقل درجة مُمكِنة، وتعرَف معنى حديث "مَن عرَف الله في الرّخاء عرَفه الله في الشِّدة".
سيّدنا يونس – عليه السّلام –مَرّ بليلة صعبة، حين وجد نفسه في بطن الحوت، بدلاً من السفينة، ولم يجد منجى له من الصدمة المُفاجأة سوى الذِكر.. "فَلَوْلَا أن كانَ مِن المُسبِّحين لَلَبِثَ في بَطْنِه إلى يَوْمِ يُبْعَثُون". أنقذه التسبيح، فكان أن قال الله تعالى بعدها: "فَنَجَّيناهُ مِن الغَمِّ وكذَلِكَ نَجْزِي المُؤمِنين".
يعلمنا الله تعالى من قصّة سيدنا يونس – عليه السلام – أن صدمة الليلة السوداء لن ينجّيك منها غير تسبيحك؛ وأنه لابد أن يكون لك رصيد من الذِكر والتسبيح، لأن هذا هو من سينجّيك من الصدمات العنيفة.
اقرأ أيضا:
كل ما تريد معرفته عن برامج عمرو خالد خلال مسيرته الدعويةورد يومي
وهناك وِرد ذِكر ثابت كُل يوم، عبارة عن 700 تسبيحة يستغرق حوالي 20 دقيقة فقط، عبارة عن:
•100 استغفار.
•100 لا إله إلّا الله.
•500 الباقيات الصالحات.
-سبحان الله 100.
-الحمد لله 100.
-لا إله إلّا الله 100 مرّة ثانية.
-الله أكبر 100.
-لا حول ولا قُوّة إلّا بالله 100.
هذه التجربة ليست كلامًا وحسب؛ لكنها عبارة عن منظومة من ثلاث أشياء: اللسان، والعقل، القلب.. اللسان يقول، والعقل يرى شريطًا يمر أمامه، والقلب يتأثّر.
•اللسان يقول: "لا إله إلّا الله"؛ فـ العقل ينظر إلى شريط لعظمة الله؛ وينفعل القلب ويقول له: "أحبك".
•اللسان يقول: "الحمد لله "؛ فيرى العقل شريطًا لنِعَم الله؛ ينفعل القلب ويقول له: "شكّرًا".
•اللسان يقول: "أستغفر الله"؛ فينظر العقل إلى شريط التقصير في حق الله؛ ينفعل القلب، ويقول له: "سامحني".
هذا هو الذِكر الفعّال، الذي تتفاعل فيه ثلاثة أشياء حتى تتأثّر وتحتفظ بمعاني الكلمات في عقلك الباطن، لابد من الذِكر والفِكر معًا؛ لذا جمعهم الله تعالى في آية واحدة في القُرآن: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار".
كما أن المكان مُهِم جدًا؛ حيث لابد أن تبعد عن التشويش، وتختار مكانًا جميلاً، تجلس فيه لتذكر الله فيه.