يختلف حال المسلم عن حال غيره، فالمسلم يذعن لدستور إلهي ينظمه حياته ومهما ضاق صدره بما يحدث فهو يعلم أن الدنيا دار بلاء وأنه حتما سيرحل عنها في وقت قدره الله وسيعوضه الله على ما قدم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
وليس معنى أن الدنيا دار بلاء ومنغصات أن يقدم أحدنا على ما حرم الله إن مر بمصيبة عجز عن حلها او أحاطت به ديونه ويعجز عن سدادها أو مر بصدمة عاطفية قوية أو خسارة تجارة رائجة كل هذا وإن كان بلاء فحقه الصبر وتجاوز الأزمات باللجوء إلى الله ومشورة أهل العلم حتى يهدأ قلبه ويتغير حاله.
الانتحار ليس حلا:
أما ما يفعله البعض من ضعيفي الإيمان من اللجوء إلى الانتحار كوسيلة يظنها راحة وخروجا من الدنيا السيئة وما فيها فهذا ليس في الحقيقة خروج إلى الرحة فلعله بفعله هذا يعرض نفسه لعذاب فوق العذاب وضنك فوق الضنك لأن الانتحار بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، حسب ما أوضحه الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، مؤكدا أنّ الانتحار حرام شرعًا ومن كبائر الذنوب، مستدلا على ذلك من كتاب الله بقوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، وبالحديث النبوي: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
الوعيد في شأن المنتحر:
وردت عدة احاديث بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم حال المنتحر وما ينتظره من عذاب حيث إن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري.
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة" رواه البخاري، وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري، ومسلم.
حكم الصلاة على المنتحر:
وأضافت دار الإفتاء على صفحتها الرسمية على الفيس أن المنتحر لا يخرج بذلك عن الملة، ويظل على إسلامه، ويصلى عليه ويغسل ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين؛ فقال شمس الدين الرملي: «وغسله (أي الميت) وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعا؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره.. غير أن النبي قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه ، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص "سهام عراض" فلم يصل عليه ) رواه مسلم.
الدعاء للمنتحر:
ولا يعني هذا –أن من ثبت انتحاره – أن يترك الدعاء له بالرحمة والمغفرة، بل هذا يتأكد في حقه لحاجته له، فلا تتهاونوا بالدعاء له ، وأخلصوا فيه ، فلعله يكون سببا لمغفرة الله له .