هل معنى أنك تلازم الذنب وتصر عليه ومع ذلك تستغفر وتتوب ثم تعاود أن توبتك فاسدة لا تصح.. لا يخلو الإنسان من ضعف يعتريه يجعله ضعيف النفس ينساق لمعصية بعينها اعتاد الوقوع فيها وكلما تاب عاوده الضعف ووقع فيها..
تب إلى الله ولا تيأس:
إن هؤلاء ليسوا معصومين فالواجب على المؤمن الاستغفار والتوبة ولو أصر يجاهد نفسه، والعزم الصادق على ترك الذنوب، ولا هو بلؤم بل الواجب عليه أن يستغفر الله، وأن يجتهد ولو كانت المعاصي موجودة، يحاسب نفسه يجاهدها حتى يترك هذه المعاصي.
إن من يتأمل معنى التوبة يدرك أنه باب فتحه الله لعباده حتى لا يقنطوا ويتملكهم اليأس لأنهم إن وقعوا في اليأس اسودت الدنيا أمام أعينهم قال تعالى: "لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، ويقول: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ".
اجعل التوبة بداية طريق لك إلى الله:
الوقوع في الذنب ليس معناه نهاية الحياة وليس معناه تدمير علاقتك بالله بالكلية لكن يمكن أن تعتبره طريقا جديدا وفتح صفحة أخرى مع الله تعودل له فيها نادما تائبا وقديًما قيل رب ندم على معصية أورث ذلا وانكسارا خير من طاعات كثيرة أورثت كبرا واستكبارا، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في الندم والإقلاع وترك المعاصي حسب طاقته في كل وقت، ولا ييأس من رحمة الله ولا يقنط، ولن يمل الله حتى تملوا.
التوبة مع الإصرار هل تصح؟
والمؤمن كيس فطن يدرك أنه باجتهاده وإصراره سيصل إلى الله وأن ما يفعله الشيطان في طريقه إنما هو معوقات يريد بها أن يقطع الطريق إلى الله ومن ثم عليك أيه العاصي التائب أن تجتهد وليس من العجز، بل من الكيس أن تجتهد في التوبة والندم والإقلاع ومحاسبة النفس، والحرص على صحبة الأخيار، وتذكر عظمة الله، وما يجب عليك من حقه، حتى تتوب إليه وحتى تنيب إليه والله يقبل توبة التائبين الصادقين ولا يرد يديك صفرا خائبتين.
لكن ومع هذا ينبغي أن يعلم أن من إساءة الأدب مع الله تعالى أن تتوب وأنت في حال توبتك عازم على المعصية فتصير كأنك تمثل يتكلم لسانك وكل قلبك وجوارحك متجهة للمعصية تعد لها وتجهز لها فقط أن تستغفر فهذه توبة مذمومة، يقول قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): أما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه، وإن شاء رده. وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة، وفي " المسند " من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: «ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون». وخرج ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس مرفوعا: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه» ورفعه منكر، ولعله موقوف ... وقول القائل: أستغفر الله، معناه: أطلب مغفرته، فهو كقوله: اللهم اغفر لي، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة: هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم بالمغفرة، قال بعض العارفين: من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته، فهو كاذب في استغفاره ... فأفضل الاستغفار ما اقترن به ترك الإصرار، وهو حينئذ توبة نصوح.
متى تنفعك التوبة؟
والتوبة مع الاستغفار استغفار اللسان ينفع صاحبه إن اقترن ببغض المعصية، وانزعاج القلب منها، والرغبة في الإقلاع عنها خوفا من الله تعالى، مع صدق القلب في توجهه إلى الله، وتعلقه برجاء رحمته؛ بخلاف من حرك لسانه بالاستغفار وقلبه غافل عن الله، متعلق بالمعصية حبًا ورغبةً وعزيمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد يقال على هذا الوجه: الاستغفار هو مع التوبة، كما جاء في حديث {ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم مائة مرة} وقد يقال: بل الاستغفار بدون التوبة ممكن واقع، وبسط هذا له موضع آخر؛ فإن هذا الاستغفار إذا كان مع التوبة مما يحكم به عام في كل تائب، وإن لم يكن مع التوبة فيكون في حق بعض المستغفرين الذين قد يحصل لهم عند الاستغفار من الخشية والإنابة ما يمحو الذنوب كما في حديث البطاقة، بأن قول: لا إله إلا الله ثقلت بتلك السيئات؛ لما قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات، وكما غفر للبغي بسقي الكلب لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان".