ما معنى أن يتعالى الإنسان على غيره بمالٍ أو منصبٍ أو جاهٍ أو وظيفةٍ أو غير ذلك.. شأن المؤمن دائما أن يكون متواضعا حييا يخاف الله ويتقي الله فيمن يتعامل معهم ولا يتصور أن يكون هناك مؤمن ينازع الله تعالى فيما له سبحانه وتعالى من عظمة وكبرياء وإلا وقع تحت الوعيد والتهديد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ) ، وروي بألفاظ مختلفة منها ( عذبته ) و(وقصمته ) ، و( ألقيته في جهنم ) ، و( أدخلته جهنم ) ، و( ألقيته في النار).
معنى الكبر:
والكبر هو خلق باطن تظهر آثاره على الجوارح ، يوجب رؤية النفس والاستعلاء على الغير ، وهو بذلك يفارق العجب في أن العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره ، وأما الكبر فمحله الآخرون ، بأن يرى الإنسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك إلى احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، وشر أنواعه ما منع من الاستفادة من العلم وقبول الحق والانقياد له ، فقد تتيسر معرفة الحق للمتكبر ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له كما قال سبحانه عن فرعون وقومه : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } (النمل: 14).
معنى العجب:
أما الإعجاب فيخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " لا يدخُلُ الجنَّةَ عبدٌ في قلْبِهِ مثقالُ ذرَّةٍ مِنَ الكبرِ". وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب. وقال بزرجمهر: النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه العجب.
وقال بعض الحكماء: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله. وليس إلى ما يُكسبه الكبر من المقت حد، ولا إلى ما ينتهي إليه العجب من الجهل غاية، حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر، ويسلب من الفضائل ما اشتهر. وناهيك بسيئة تحبط كل حسنة وبمذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق ويكسبه من حقد.
ولو تصور المعجب المتكبر ما فطر عليه من جبلة، وبلي به من مهنة، لخفض جناح نفسه واستبدل لينا من عتوه، وسكوتا من نفوره.
التواضع سمت الصالحين:
والصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع ، تواضعٌ في غير ذلة ، ولينٌ في غير ضعف ولا هوان ، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هوناً في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد )، قال محمد بن علي: لا ينبغي للشريف أن يرى شيئا من الدنيا لنفسه خطيرا فيكون بها نابها، وقال ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك. وكان يقال: اسمان متضادان بمعنى واحد: التواضع والشرف.
أسباب الكبر:
وللكبر أسباب: فمن أقوى أسبابه علو اليد، ونفوذ الأمر، وقلة مخالطة الأكفاء. وحكي أن قوما مشوا خلف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نوكى الرجال. ومشوا خلف ابن مسعود فقال ارجعوا فإنها زلة للتابع وفتنة للمتبوع، وروى قيس بن حازم «أن رجلا أتي به للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأصابته رعدة، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "هوِّنْ عليكَ ، فإِنَّي لستُ بمَلِكٍ ، إِنَّما أنا ابنُ امرأةٍ من قريشٍ ، كانتْ تأكُلُ القَديدَ".
أسباب العجب:
وللإعجاب أيضا أسباب ومن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقربين وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا، والتملق خديعة وملعبا، فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الاستهزاء بهم. وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يثْني على رَجُلٍ فَقالَ: "ويْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أخِيكَ - ثَلَاثًا - مَن كانَ مِنكُم مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ فُلَانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولَا أُزَكِّي علَى اللَّهِ أحَدًا، إنْ كانَ يَعْلَمُ"، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المدح ذبح. وقال ابن المقفع: قابِلُ المدح كمادح نفسه. وقال بعض الحكماء: من رضي أن يُمدح بما ليس فيه فقد أمكن الساخر منه. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إياكم والتمادح"،وقيل فيما أنزل الله عز وجل من الكتب السالفة: عجبت لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح، وعجبت لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب.