يقول الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ: ( ثم تتحوَّل فجأة لشخص لا يُعاتب أحدًا ، يتجنَّب النقاشات التي لا جدوى منها ، ينظر للراحلين عنه بهدوء ويستقبلُ الصدمات بصمتٍ مريب ) .. فكأنه يفسر داخلك ومشاعرك حين تتعرض لصدمة ما، لكن اعلم جيدًا أن هناك فرق كبير بين أنك تصل لهذه الحالة من (يأس) .. ومن أنك تصل إليها عن ( تسليم ) ..
لأن طريق الصبر و التسليم و الحكمة ثم الرضا ليس سهلا.. و طريق اليأس والإحباط والضياع أسهل كثيرًا .. لكن يظل بينهم ( المعرفة ) .. أن تتعرف على الله عز وجل .. وعلى البشر .. وعلى الدنيا وحقيقتها .. وعلى نفسك .. هنا فقط تقترب من حقائق كثيرة فتهدأ.. لذلك فإن الله عز وجل أمرنا بالقرب ليس بالسجود وحسب .. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )، وإنما أيضًا بالقرب منه سبحانه وتعالى.
طريق القرب
هذا القرب لن يحدث إلا بالتعرف على الكون من خلال الله وصفاته .. كل هذا ليس بالساهل ويحتاج لمجاهدة .. وتبدأ وتكمل .. لأنه بالتأكيد سيقابلك الكثير ولابد أن تستعد .. ولأن خسارة نفسك تحتاج لأن تصونها كثيرًا وتحصنها وتحميها .. وفي النهاية هذا هو قرارك .. قال تعالى يوضح لك: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ).
فالنفس لابد أن تدعو صاحبها للسوء، هكذا هو حالها، لكن الشاطر النبيه، من يجاهدها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ » (يوسف: 53)، ولذلك كان النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم إذا خطب قدم بين يدى خطبته: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا»، ومن ثم فإن مجاهدة النفس يأتي من خلال حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، قال تعالى: «وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ » (العنكبوت:6).
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟هكذا تقترب من الله
لاشك أن من يريد الربح فعليه بالقرب من الله، والقرب يكون باتباع سننه في الكون، من صلاة لصيام لزكاة.. باختصار اتباع ما جاء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «ابن آدم، اركع لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره»، فأهل القرب من الله هم أهل الحظ الكبير، لأننا إذا نظرنا إلى ما بعد الحياة الدنيا، نجد أن أفضل الناس حظًا هم أهل التقرب إلى الله، يقول الله سبحانه وتعالى: « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ » (الواقعة: 10 - 14).