قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم ولا أحب إليه العمل فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
تساؤل:
فإن قيل: فإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها؟ وإن كان ذلك العمل أفضل في نفسه مما عمل في العشر لفضيلة العشر في نفسه؟ فيصير العمل المفضول فيه فاضلا حتى يفضل على الجهاد الذي هو أفضل الأعمال كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، فينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد لأن الحج مخصوص بالعشر وهو من أفضل ما عمل في العشر أو أفضل ما عمل فيه؟ فكيف كان الجهاد أفضل من الحج؟ فإنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قال: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله" قال: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".
الجواب:
قيل التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج عند جمهور العلماء وقد نص عليه الإمام أحمد وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
ويمكن الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بوجهين:
1-أن حديث ابن عباس قد صرح فيه بأن جهاد من لا يرجع من نفسه وماله بشيء يفضل على العمل في العشر فيمكن أن يقال: الحج أفضل من الجهاد إلا جهاد من لم يرجع من نفسه بشيء ويكون هو المراد من حديث أبي هريرة ويجتمع حينئذ الحديثان.
2- وهو الأظهر أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصير أفضل من الفاضل في نفسه، وحينئذ فقد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد وقد يتجرد عن ذلك فيكون الجهاد حينئذ أفضل منه.
فإن كان الحج مفروضا فهو أفضل من التطوع بالجهاد فإن فروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات عند جمهور العلماء وقد روي هذا في الحج والجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقد دل على ذلك ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: "ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه" وإن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجه أفضل من جهاده كالمرأة.
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبتفاضل آخر:
وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله ترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟
فقال: "أفضل الجهاد حج مبرور" وفي رواية له: "جهادكن الحج" وفي رواية له: "نعم الجهاد الحج" وكذلك إذا استغرق العشر كله عمل الحج وأتى به على أكمل وجوه البر من أداء الواجبات واجتناب المحرمات وانضم إلى ذلك الإحسان إلى الناس ببذل السلام وإطعام الطعام وضم إليه كثرة ذكر الله عز وجل والعج والثج - وهو رفع الصوت بالتلبية وسوق الهدي- فإن هذا الحج على هذا الوجه قد يفضل على الجهاد.
وإن وقع عمل الحج في جزء يسير من العشر ولم يؤت به على الوجه المبرور فالجهاد أفضل منه.
وقد روي عن عمر وابن عمر وأبي موسى الأشعري ومجاهد ما يدل على تفضيل الحج على الجهاد وسائر الأعمال وينبغي حمله على الحج المبرور الذي كمل بره واستوعب فعله أيام العشر.