كثيرًا من الناس تراهم وقد منحهم الله عز وجل الكثير من الفهم والذكاء والدراية، إلا أنه يستغل هذا الذكاء في في إيذاء الناس، بل أنه قد يغتر بذكائه حتى تخونه نفسه فيقع فيما لا يمكن أن يقع فيه أجهل الناس، وهكذا كما يقولون: «خطأ الشاطر بألف»، فقد يكون شخص ما من أذكى الناس وأحدهم نظرًا، ومع ذلك يعميه الله عز وجل عن بعض الأمور، وقد يكون هناك من هو أجهل منه وربما ضرير البصر، إلا أنه الله عز وجل يهديه لما لا يهدي به البصير المتذاكي، فالذكاء إذا كان حكمة فإنما هي من الله عز وجل وفقط، قال تعالى يؤكد ذلك: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ » (البقرة: 269).
التعقل لا التذاكي
هناك فرق كبير بين التعقل والتذاكي، فالعاقل الحقيقي من يكن الله عز وجل أمام عينيه طوال الوقت، بينما المتذاكي هو الذي يتصور غباء الناس كلهم أمام ذكائه، وهذا لاشك يأتي يومًا يدفع فيه الثمن غاليًا، يقول الله جل وعلا: « وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ » (يس: 68)، وفي تفسير هذه الآية، يقول العلماء: إن من فوائد الآية الكريمة، الحث على التعقل والتفكر، وحسن التصرف؛ حتى يكون الإنسان من العقلاء، فالعاقل يدرك جيدًا أن أي شيء توصل إليه إنما بفضل الله عز وجل وفقط، بينما من يتعامى على الحق، يعميه الله عز وجل عن كل حق، حتى لا يرى وليعاذ بالله إلا السوء والأذى، تأكيدًا لقول الله تعالى: « فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (الحج: 46).
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟من هو العاقل الحقيقي؟
العاقل الحقيقي هو الذي عرفه الله عز وجل في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ » (الزمر: 18)، وبالتالي فإن أعقل الناس هو أطوعهم لله تعالى، وليس العاقل إذا نقل إليه أحد شيئًا عن شخص أن يسير وراءه دون دراية أو تيقن، وإنما هو من يستحضر آية من القرآن وتكفيه، وهي قوله عز وجل: « وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ » (القلم: 10، 11)، أيضًا من أهم أسباب التعقل، التدبر في مخلوقات الله ، قال تعالى يوضح ذلك: « أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ».