يحرص المسلم على استقبال العشر الأوائل من ذي الحجة الاستقبال الذي يليق بهذه الأيام المباركة، ويكون عونا للمسلم على تكفير ذنوبه وفك كربه وتفريج همه، خاصة مع الشدة التي يحيا فيها نتيجة كثرة الأوبئة وانتشار التيه النفسي وسط تردي الأحوال الاقتصادية وأمواج الاكتئاب العارمة، فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، وزيادة البركة يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، ويفرج همهم.
ومن أهم هذه المواسم المباركة، الأيام العشرة من ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ بل إن لله تعالى أقسم بها، وهذا وحده يكفيها شرقاً وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، وذلك في قوله الله تعالى في سورة الفجر: " والفجر * وليال عشر".
وقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على عشر أعمال صالحة تحيي بها العشر أيام المباركة الأوائل من شهر ذي الحجة، وأولها:
التوبة الصادقة : فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31].
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام : فينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت].
3- البعد عن المعاصي: فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام .
4- كثرة الذكر
فعلى المسلم اغتنام هذه الأيام، وحسن استقبالها قبل أن تفوتك فتندم، فالعشرة الأوائل من ذي الحجة هي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره: قال تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها افضل أيام الدنيا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( «فضل أيام الدنيا أيام العشرـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب».
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبر5- فيها يوم عرفة : ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وقد تكلمنا عن فضل يوم عرفة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه في رسالة «الحج عرفة».
كما أن فيها يوم النحر : وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر».
6- اجتماع أمهات العبادة في العشرة الأوائل من ذي الحجة بصيام بنهارها وكثرة الصلاة والصدقة وفيها أيضا الحج، ولا يتأتى ذلك في غيره.
و فضل العمل في عشر ذي الحجة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» .
فكل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده.
7- أداء مناسك الحج والعمرة. وهما افضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [متفق عليه]. والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم يخالطه إثم من رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق، المحفوف بالصالحات والخيرات.
8- الصيام : وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) [متفق عليه].
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: {صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده} [رواه مسلم].
وعليه فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها. وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي وقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً.
9- كثرة الصلاة : وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه».
10- التكبير والتحميد والتهليل: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» [رواه أحمد].