لما جعل الحوت يطوف بنبي الله يونس عليه السلام في قرار البحار ، ويقتحم به لجج الأمواج ، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع وما بينها وما تحت الثرى.
فعند ذلك، قال ما قال بلسان الحال والمقال، كما أخبر عنه ذو العزة والجلال، الذي يعلم السر والنجوى : " وذا النون إذ ذهب " أي إلى أهله " مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " " فظن أن لن نقدر عليه " أي نضيق عليه.
3 ظُلُمات:
" فنادى في الظلمات ".. قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير : (ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل).
وقال سالم بن أبي الجعد: ابتلع الحوت حوت آخر فصارت ظلمة، الحوتين مع ظلمة البحر.
" فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون "
قيل معناه فلولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والاعتراف لله بالخضوع، والتوبة إلى والرجوع إليه، للبث هنالك إلى يوم القيامة، ولبعث من جوف ذلك الحوت.
وقيل معناه: " فلولا أنه كان " من قبل أخذ الحوت له " من المسبحين " أي المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيرا.
ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفضك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
وقال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت: أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما.
فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسّا، فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر.
اقرأ أيضا:
من نزع الروح إلى تحلله لتراب.. لماذا يبدأ الموت من حيث انتهى خلق الإنسان؟ (الشعراوي يجيب)الملائكة تسمع التسبيح:
قال فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة!
قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر.
قالوا: العبد الصالح ; الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم.
قال فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله: " وهو سقيم ".
وقال أنس: " إن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين.
فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش، فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة.
فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا رب ومن هو؟ قال: عبدي يونس.
قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة؟ قالوا: يا ربنا! أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى.. فأمر الحوت فطرحه في العراء ".