لا ينبغي للمؤمن أن يضيع ليله ونهاره وحياته كلها في فضول المباحات التي تأخذ جزاء كبيرا من تفكيره ووقته وجهده لكن عليه ألا ينشغل غلا بما يقربه من الله تعالى من أفعال وأقوال.
ومن يتأمل يجد أن فضول الكلام وهو الكلام الذي يمكن الاستغناء عنه .. وفضول الطعام وكذا فضول النوم والضحك وغيرها تعطلك عن أمور كثيرة حتى لو كانت الدنيا همك فبالكم من كانت الآخرة همه وترك هذه الأمور والزهد فيها من دلائل الإيمان.
معنى الزهد:
والزهد نوعان زهد مشروع وأصله في القلب، وهو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الآخرة، والثقة بما عند الله سبحانه، وأما في الظاهر: فترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله، قال ابن تيمية: "الزهد المشروع" هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله، فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة، فالزهد فيه ليس من الدين، بل صاحبه داخل في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، بخلاف الزهد الذي يتحلل فيه صاحبه حتى من الوسائل التي تعينه على الطاعة فهو في الحقيقة ليس زهدا.
الفرق بين الزهد والورع:
يخلط بعض الناس بين مفهومي الزهد والورع ومن أفضل ما قيل في الفرق بينهما ما قاله ابن القيم -رحمه الله- سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.
حقيقة الزهد:
وحقيقة الزهد هي خلو القلب من التعلق بما لا ينفع في الآخرة وهو على مراتب:
الأولى: ترك الحرام والشبهة.
الثانية: ترك الفضول من الحلال.
الثالثة: ترك ما يشغل عن الله تعالى.
هكذا قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-
وحقيقة الورع توقي الحرام والشبهة وما يضر أقصى ما يمكن.
وعلى هذا، فالورع داخل في الزهد وهو جزء منه. ولذا قال بعض العلماء: الورع أول الزهد كما أن القناعة أول الرضا.
وسائل تحقيق الزهد:
وهنك عدة وسائل يمكن أن تعينك على تحقيق الزهد بمعناه الصحيح ومن هذه الوسائل ما يلي:
-دوام التفكر في أسماء الرب تعالى وصفاته، فإنه باب من فتح له وولج منه أشرقت على قلبه أنوار المسرات، يقول ابن القيم: وَهَذِهِ الْعَزَائِمُ لَا تَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ أَشْرَقَ عَلَى قَلْبِهِ أَنْوَارُ آثَارِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَتَجَلَّتْ عَلَيْهِ مَعَانِيهَا، وَكَافَحَ قَلْبَهُ حَقِيقَةُ الْيَقِينِ بِهَا.
- الاجتهاد في العبادات والأخذ منها بنصيب وافر، فإن الله إنما شرعها لما يحصل للقلب بها من النعيم والراحة ولما له فيها من المصلحة العظيمة، قال العلامة ابن القيم عليه الرحمة: والمقصود بالأعمال كلها ظاهرها وباطنها إنما هو صلاح القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه وإلهه ومن تمام ذلك قيامه هو وجنوده في حضرة معبوده وربه.
- الحذر من الشيطان ومكره والعلم بعداوته الدائمة لجنس الإنسان وأنه لا يكف عن محاربته والحذر كذلك من شياطين الإنس والاجتهاد في الابتهال والتضرع لله سبحانه رجي أن تنال مقصودك من القرب من الله تعالى وتدوم لقلبك لذته بالأنس به وحده والإقبال عليه دون ما سواه، نسأل الله أن يذيقنا وإياك حلاوة الإيمان.