اعلم أن الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل وإلى المشرب ما شرب وإلى المنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه.
فالهوى مستحلب له ما يفيد كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق وإنما يذم المفرط من ذلك وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار.
احذر الهوى:
1-روي عن ابن عباس أنه قال ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه .
2- وقال الشعبي إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه.
3- الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في
عاقبة ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا للألم والأذى في العاجل ومنع لذات في الآجل.
4- العاقل ينهى نفسه عن لذة تعقب ألما وشهوة تورث ندما، وكفى بهذا القدر مدحا للعقل وذما للهوى.
اقرأ أيضا:
للعالم والمتعلم.. نصائح ذهبية من الإمام عليتعلم من هذا المثال:
ترى الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إلى التلف فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك وقد يقع التساوي بينهما في الميل بالهوى.
وبهذا القدر فضل الآدمي على البهائم أعني ملكة الإرادة لأن البهائم واقفة مع طباعها لا نظر لها إلى عاقبة ولا فكر في مآل فهي تتناول ما يدعوها إليه الطبع من الغذاء إذا حضر وتفعل ما تحتاج إليه من الروث والبول أي وقت اتفق والآدمي يمتنع عن ذلك بقهر عقله لطبعه.
العاقل والهوى:
1-وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالبا وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمال الأحوط في كف الهوى إلى أن يتيقن السلامة من الشر في العاقبة.
2- وينبغي للعاقل أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته.
3- وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بذلك عشر التذاذ من لم يدمن غير أن العادة تقتضيه ذلك فيلقي نفسه في المهالك لنيل ما يقتضيه تعوده ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته لرأى أنه قد شقي من حيث قدر السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وألم من حيث أراد اللذة
فهو كالحيوان المخدوع بشكل الفخ لا هو نال ما خدع به ولا أطاق التخلص مما وقع فيه.