بدأت العشر الأواخر من شهر رمضان التي تعتبر لياليها أفضل وأغلى ليالي العام، وبكفي أن فيها ليلة خير من ألف شهر أعظم ليالي العام ، وإحياؤها بالعبادة خير من عبادة ألف شهر بنص القرآن الكريم ، قال الله عز وجل : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، يعني أنك عبدت الله سبحانه بما يزيد عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر تقريباً عبادة متصلة ، صلاة وصياماً , صدقة وقياماً ، ذكرا وقرآناً ، ومن أجل ذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيما تحذير من تفويت هذه الليلة النفيسة فقال : (إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حُرمها فقد حرُم الخير كله ، ولا يُحرم خيرَها إلا محروم) .
ويعدد الشيخ عبد الله الحسيني فضائل العشر الأواخر فيقول:
إذا كانت العشر الأواخر بهذه المنزلة الرفيعة ، إذن كيف نستعد لها استعداداً جيداً يليق بها ويؤهلنا لإدراك فضيلة ليلة القدر ؟!
هناك استعداد واجب ينبغي لنا أن نلتزم به في شهر رمضان المبارك وغيره ، وذلك من خلال أداء ما أوجب الله علينا من العبادات القولية والفعلية , ومن أهمها : الصلاة المفروضة ، وصيام رمضان ، والزكاة ، وزكاة الفطر ، وكذلك اجتناب جميع ما حرم الله علينا من الأقوال والأفعال ، فلا يعقل أن نتقرب إلى ربنا بترك المباح كالطعام والشراب , ولا نتقرب إليه بترك ما حُرِّم علينا في كل حال , قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، وقال : (رب قائم حظه من قيامه السهر ، ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) ، والصائم مأمور بحفظ لسانه حتى وإن تعرض للأذى من غيره ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الصيام جُنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم ، فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل , فإن سابه أحد أو قاتله ، فليقل إني امرؤ صائم).
ويضيف الشيخ عبد الله الحسيني: كما أن هناك استعداداً مستحباً يستعد به المسلم ، طلباً لمزيد من الأجر والثواب ، وإدراكاً لفضيلة ليلة القدر ، ويتمثل في الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان ، فإليكم هذا الاستعداد النبوي :
أولاً : أن نخصّ جميع زمان العشر الأواخر من رمضان ليله ونهاره بمزيد من الاجتهاد والعبادة والأعمال الصالحة ، فعن أمنا أم المؤمنين عائشة قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) ، وقالت : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره) وفي لفظ : (وجدّ وشدّ المئزر) .
ثانياً : أن نحيي الليل بصلاة التراويح أو القيام ، قالت أم المؤمنين عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره ، وأحيا ليله) ، وقال : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ، وقال : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ، ولنغتنم ثواب قيام ليلة كاملة بأن نصليها تامة مع الإمام حتى ينتهي منها ، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة) .
ثالثاً : أن نكثر من قراءة القرآن الكريم وتدبره ليلاً ونهاراً ، فعن ابن عباس: (أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) ، وهكذا كان السلف الصالح يقرؤون القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها ، وكان بعضهم يختم القرآن كل ليلة من ليالي العشر .
رابعاً : أن نعتكف في المسجد ، فعن أم المؤمنين عائشة قالت : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده) ، وحقيقة الاعتكاف : قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق ، ومذهب جمهور الفقهاء بأن الاعتكاف يتحقق ولو نوى المسلم مكث جزء من الزمن في المسجد سواء كانت المدة قليلة أم كثيرة ، وإن كان المستحب والأكمل والأفضل لديهم ألا يقل عن يوم وليلة ، وقد صحّ عن الصحابي الجليل يعلى بن أمية أنه كان يقول : (إني لأمكثُ في المسجد الساعة ، وما أمكثُ إلا لأعتكف) .
خامساً : أن نكثر من الجود ، فعن ابن عباس قال : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) ، والجود معناه الاستكثار من سائر أنواع الخير ، كالإنفاق ، وحسن الخلق ، وبر الوالدين ، وبذل الخير ، ونشر العلم ، وصنائع المعروف ، والجهاد في سبيله ، وقضاء حوائج الناس ، وتحمل أثقالهم ، وإفطار الصائمين ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من فطّر صائماً كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) ، والعمرة في رمضان ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (عمرة في رمضان تقضي حجة معي) ، ومن أروع أمثلة الجود : مناصرة المستضعفين ودعمهم ، أروا الله من أنفسكم خيراً ، ادعموهم بما تجود به أنفسكم السخية وقلوبكم النقية ، وانصروهم مادياً ومعنوياً لا سيما أهل الشام ، ولا تخشوا إلا من الله ، فهذا والله أوان الجود في شهر الجود ، قال الله تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، ومن نصر مسلماً نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ، فالله الله في أهلنا بالشام الذين يسطرون ملحمة بطولية عظيمة بدمائهم وأرواحهم نيابة عن الأمة ، فانصروهم ينصركم الله .
سادساً : أن نكثر من الدعاء والاستغفار ، فعن أم المؤمنين عائشة قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةٌ القدر ، ما أقول فيها ؟ وفي لفظ : بم أدعو ؟ قال : (قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ، لذلك كانت عائشة تقول : (لو علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ، لكان أكثرَ دعائي فيها أن أسألَ الله العفو والعافية) ، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل : (سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة) ، والدعاء مستحب مستجاب أثناء الصيام ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (ثلاثة لا يرد دعاؤهم : الصائم حتى يُفطر) ، وخصوصاً قبل الإفطار ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد) ، فينبغي علينا أن نكثر من الدعاء بصلاح ديننا ودنيانا وآخرتنا ، ولا ننس أن نخصّ إخواننا المسلمين في كل مكان بدعوات صالحات ، لا سيما فلسطين وسوريا وبورما .
سابعاً : أن نشارك أهلنا وأقاربنا ومعارفنا ومن حولنا معنا في الطاعات ، ونعينهم عليها ، ونحثهم إليها ، فعن أم المؤمنين عائشة قالت : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله) ، وفي هذا جانب تربوي عظيم ، فبإصلاح أسرنا تصلح مجتمعاتنا ، وبإفسادها تفسد .
هكذا كان استعداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعشر الأواخر، يتهجد في لياليها ، ويقرأ قراءة مرتلة ، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر ، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر الأواخر من رمضان وغيرها.
اقرأ أيضا:
10 وصايا نبوية تضمن لك الصلاح والاستقامة والسعادة في الدنيا والآخرةاقرأ أيضا:
تعرف على أفضل الطرق لحياة طيبة خالية من الهموم