وردت أحاديث كثيرة في فضل رمضان تحث على حسن اغتنامه واستثمار أوقاته ونقف في هذه السطور مع واحد من هذه الأحاديث:
خلوف فم الصائم:
ورد في السنة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ..يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَ. رواه البخاري.
وبالنظر لهذا الحديث كما يقول العلماء نجد فيه دليلا على أن الصائم مطالب بحفظ صومه، وذلك بالتحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن سيئها، ليؤدي الصوم ثمرته المطلوبة، وتترتب عليه المغفرة الموعود بها،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صئم .
وعنه - أيضاً – رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري .
فقد دل هذا الحديث وما قبله على أن الصائم يحرص على سلامة صومه مما ذُكر. وعلى أن هذه المذكورات يزداد قبحها في الصيام، ولهذا ذُكرت فيه، كما دل الحديث على أن الصيام الشرعي صيام الجوارح، وأما الصيام عن الطعام والشراب ففي مقدور كل أحد فأمره سهل.
وقول النبي ﷺ: الصيام جُنَّة أي ما يُجِنُّك أي يسترك ويقيك مما تخاف.
والمعنى: أن الصيام يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي، التي هي سبب العذاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصيام جُنة من النار كجنة أحدكم من القتال.. وهذا دليل بيِّن على فضل الصيام.
معنى الرفث:
وقد ذكرت اللجنة العلمية لسؤال وجواب ما قاله العلماء في ذكر معنى الرفث التي وردت في الحديث حيث ورد في معناها الرفث هو الكلام الفاحش، ويطلق على الإفضاء بالجماع والمباشرة لشهوة، قال تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم.. قال كثير من العلماء: إن المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام .
معنى الصخب:
وأما قوله: ولا يصخب فالصخب هو الصياح والخصومة ورفع الأصوات كما هو شأن الجهال. قوله: ولا يجهل الجهل هنا يراد به ما يُقابل الحِلْم، وأكثر ما يُستعمل ضد العلم.
وقوله: فليقل إني صائم أي إذا نازعه أحد أو خاصمه أو سابَّه فإنه لا يعامله بمثل عمله بل يقول: إني صائم لعل خصمه ينـزجر عن قتاله وسبابه إذا علم أنه لا ينتصر منه لِعِلَةِ صومه.
وهل يقول ذلك بلسانه؟ فيه أقوال:
قيل: بلسانه، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقيل: يقولها في نفسه. وقيل: في الفرض يقولها بلسانه وفي النفل يقولها في نفسه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنه يقول بلسانه كما دلَّ عليه الحديث، فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما ما في النفس فمقيد كقوله: "عما حدثت به أنفسها" ثم قال: "ما لم تتكلم أو تعمل به".
فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع وإذا قال بلسانه: إني صائم بيَّن عذره في إمساكه عن الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان" .
إن الصوم المقبول حقاً هو صوم الجوارح عن الآثام، واللسان عن الكذب والفحش والبطن عن الطعام والشراب والفرج عن الرفث ومباشرة النساء.