عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن أصعب ما في الفراق أننا لا نستطيع أن نستوعبه .. مهما تكررت لحظات الفراق .. فكل فراق جديد يكون له آلمه وكأنه أول ألم .. نصدم مهما كنا في قمة الإدراك بأننا لابد سنفارق و سنتفارق .. وأن كل هذه الدنيا إنما هي مجرد أيام وستمر، كل واحد منا سيعيشها بحلوها ومُرها وأوجاعها وفرحها ..
شعور غريب .. ليس فكرة حزن .. هي حالة خاصة جداً .. خليط من الخضة .. على عدم استيعاب للحياة دون أن تكون هذه الروح موجودة من الأساس .. الفكرة كلها مرفوضة مع كامل الرضا والصبر في نفس الوقت !.. فالفراق صعب جداً وذلك لأنه من الصعب أن تفارق روحاً كانت جزءاً منك، دون أن تحزن ودون أن تتألم لذلك لا يوجد أصعب من فراق الأحبة.
صراع فظيع
هنا ستقع في صراع فظيع لا يهدأ بالكلمات و لا بالطبطبة .. كأنك لا تعرف الهدوء من الأساس، ولا تستطيع النسيان، لكنك تتشكل بتركيبة جديدة.. كأنك مع كل فقد تصبح إنسانًا آخر.. كأنك تفقد بداخلك أشياءً أساسية لا تعود مجددًا مهما حدث.. لكن لابد أن يدخل أشياء أخرى بديلا لها، ومعاني أخرى بديلة.. كأنك تولد من جديد مع كل فقد..
هذا التغيير أهم كثيرًا من أي وجع أو ألم نشعر به.. لكن عليك أن تعي جيدًا أن كل ما يحدث لك، وهذا التغيير والتشكيل الجديد تحديدًا إنما هو لطف الله عز وجل بك.
الله عز وجل سمى الموت (مصيبة)، قال تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، لأنه مهما كانت قوتك و ثباتك وإيمانك لابد أن تتذوق هذا الوجع، وستمر بهذه المراحل يومًا لاشك .. لكن يختلف الأمر من وجع لوجع بمرور الوقت .. وهنا استشعار اللطف .. و هذه هي الطريقة الوحيدة للصبر ..
اقرأ أيضا:
أعاقب أطفالي بمنعهم من الأطعمة التي يحبونها.. هل تصرفي خاطيء؟علامات الصبر
من أهم علامات الصبر .. ( ثبات الحال رغم تغير الأحوال ).. فثبات حالك وأنك ستكمل في رسالتك و دورك برغم وجعك
و تعبك و كل لحظات انكسارك .. هذا هو الطريق لتشكيلك وتغييرك و تبديلك من حال إلى حال.. لذا اعلم أنها بدايتك من أول
و جديد بتركيبة مختلفة تمامًا.. تنتقل إلى رسالة جديدة، و استعدادات مختلفة .. تركيبة بدأت ترى الدنيا بمنظور مختلف، وبمعايير مختلفة ..
إذن الفقد هو أول الطريق للتعرف على الله عز وجل .. و هذه هي أول بُشرى يبشرك بها المولى عز وجل، بعد ما ذقته في وجع الفراق .. (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ).. فسلامٌ لكل روح ودعت الدنيا فكان وداعها سبب لاكتشاف أرواحنا من جديد .. و سلامٌ لكل روح و دعت الدنيا لتسكن في قلوبنا لتذكرنا و تطهرنا ..