إذا كان الصوم في جوهره هو ترك المباحات فهو من باب أولى يتضمن ترك المحرمات، حتى لا يتحول صيامك إلى مجرد حالة من الجوع والعطش فقط، في نهار رمضان، دون تحصيل الثواب والهدف الحقيقي من الصيام، فالصيام في مضمونه الحقيقي لا يهدف لعذاب الإنسان بتجويعه وعطشه، ولكن جني الثمار من وراء هذا الصيام، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
فلا حاجة لله عز وجل في أن يجوع العبد، ولا حاجة له سبحانه وتعالى في أن يمسك الممسكون عن الطعام والشراب، وما حاجة الله إلى جوع العبد وعطشه إن لم يكن ثمرة ذلك كله التقوى؟ مصداقا لقوله تعالى:"يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلكُمْ تَتقُونَ" .
وللصيام مفطرات ومفسدات حسية توجب القضاء، ومنها ما يوجب القضاء والكفارة، كالأكل، والشرب، والجماع، ومنها مفطرات ومفسدات معنوية لا توجب قضاء ولا كفارة، ولكنها تحول دون قبول الصوم، وتبطل أجره أو تنقصه، وهي المعاصي والآثام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من صائم ليس له حظ من صومه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له حظ من قيامه إلا السهر والتعب" .
وروي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه؟ فماهي العلامات التي تدل على قبول الصيام وماهي الأشياء التي يجب علينا الالتزام بها لكي يكون الصوم مقبولا:
اظهار أخبار متعلقة
أولا: مراقبة الله في أفعالنا:
فالصيام تدريب عملي على استشعار مراقبة الله عز وجل في كل الأوقات والأحوال، ومن ثم الوصول إلى مرتبة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
ثانيا: صلة الأرحام
ثالثا: التوبة الصادقة والرجوع إلى الله:
ففي ظلال رمضان تفتح أبواب التوبة على مصراعيها وتتنزل رحمات الله على عباده بلا حساب.
رابعا: الحرص على الفرائض والنوافل:
فإذا ما أحس الصائم بأنه قد ازداد حرصا على الفرائض في هذا الشهر وداوم على ذلك وسارع في الاستجابة لنداء الرحمن كلما سمعه، إضافة إلى مداومته على النوافل وعدم تضييع أي نوع منها، فإنه على طريق القبول في مدرسة، الصيام، بل الوصول إلى الجنة وهي مبتغى كل مؤمن.
خامسا: التخلق بأخلاق القرآن:
رمضان شهر القرآن كما قال الله تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ” (البقرة185)، ومن ثم كان إقبال المؤمن الصائم على كتاب الله تلاوة وتدبرا وفهما وعملا، وإحداث نوع من التصالح مع القرآن بعد هجران، والخروج بذلك من زمرة المشتكى منهم من طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه في قوله تعالى: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا” (الفرقان 30)، ومجرد النجاة من هؤلاء هو عين القبول.
سادسا: حفظ اللسان:
فإذا انتصر فيها وتدرب على لجم لسانه في هذا الشهر إلا على خير، فقد أدركه التوفيق والقبول، أما إن أطلق العنان للسانه ذات اليمين وذات الشمال فسوف يورده المهالك لا محالة.
وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟” قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: “إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا. وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ”.
سابعا: التخلص من العادات السيئة:
كثير من العادات السيئة تأسر العبد، ولا يستطيع الفكاك منها بيسر وسهولة، فيأتي الصيام فيعطيه فرصة سانحة لكي يتحرر منها الواحدة تلو الأخرى، فإذا لم يستطع التخلص من عاداته السيئة في شهر الصيام فذلك دليل على عدم وجود أثر إيجابي للصوم على سلوكه.
ثامنا: الاهتمام بقضايا المسلمين:
فكلما ارتفعت درجة الاهتمام بقضايا المسلمين وخاصة الفقراء والمستضعفين لدى الصائم وازداد شعوره بالمحرومين من حوله وخفق قلبه كلما رأى أو سمع بمأساة تصيب الأمة والمجتمع، ولم يكتف بالشعور القلبي وإنما تعداه إلى الجانب العملي وساهم بما يستطيع في تفريج كروب المكروبين وإغاثة الملهوفين وإغناء المحرومين، فذلك مؤشر صحة ودليل حياة وأمارة قبول صيامه.
تاسعا: إدراك خيرات ليلة القدر:
هذه الليلة التي أكرم الله بها هذه الأمة من حرم خيرها وفضلها فقد حرم الخير كله، ومن وفق وأدركته رحمات الله فيها فقد رزق القبول من أوسع أبوابه قال صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن شهر رمضان: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم” (رواه ابن ماجة)، وقال صلى الله عليه وسلم: “ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه مسلم.
عاشرا: الثبات على الطاعة بعد رمضان