جاء في الحديث النبوي: " إلا الصوم فإنه لي" فالله سبحانه وتعالى خصّ الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال.
وقد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء والصوفية وغيرهم وذكروا فيه وجوها كثيرة ومن أحسن ما ذكر فيه وجهان:
1-أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام لأن الإحرام إنما يترك فيه الجماع ودواعيه من الطيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام.
وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول فلا يجد المصلي فقد الطعام والشراب في صلاته بل قد نهي أن يصلي ونفسه تشوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يسكن نفسه ولهذا أمر بتقديم العشاء على الصلاة.
اقرأ أيضا:
تنال بها المغفرة .. 10 سنن وأعمال مستحبة في ليلة الجمعة ويومهاوهذا بخلاف الصيام فإنه يستوعب النهار كله فيجد الصائم فقد هذه الشهوات وتشوق نفسه إليها خصوصا في نهار الصيف لشدة حره وطوله.
2- فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلا على صحة الإيمان فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه خوفا من عقابه ورغبة في ثوابه فشكر الله تعالى له ذلك واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله.
3- لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله لإيمانه باطلاع الله وثوابه أعظم من لذته في تناولها في الخلوة إيثارا لرضا ربه على هوى نفسه بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب ولهذا كثير من المؤمنين لو ضرب على أن يفطر في شهر رمضان لغير عذر لم يفعل لعلمه لكراهة الله لفطره في هذا الشهر وهذا من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكره فتصير لذته فيما يرضى مولاه وإن كان مخالفا لهواه ويكون ألمه فيما يكره مولاه وإن كان موافقا لهواه.
4- الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله وترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها في العادة ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة، وقيل: إنه ليس فيه رياء.