ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، عن حكم استعمال المناديل الورقية، والورق النشَّاف في الاستنجاء من البول أو الغائط؟ حيث يدعي البعض أنها لا تزيل النجاسة عن موضعها بالكلية، بل يبقى أثرها، وتنقلها عن محلها، وأيضًا يدخل تحت الورق المنهي عنه، وهل لمسالفرج ينقض الوضوء؟
ويجيب الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الديار المصرية بأن ما تقرر عند عامة العلماء: أن الأفضل في الاستنجاء أن يجمع المُحْدِثُ فيه بين الجامدِ والماء، فإن اقتصر على أحدهما: فالأفضل الماء، وإن اقتصر على الجامد فقط: أجزأهُ، بلا خلاف بين العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ، فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ».
وأضاف المفتي أن الاستنجاء بالجامد هو أحد الإجراءات العملية التي يتأتى بها إزالة نجاسة البول أو الغائط، وتطهير موضعهما، ولذلك سُمِّيَ هذا الإجراء استطابةً، والخبر وإن كان واردًا في الحجارة، إلَّا أنه يشمل كل ما يقوم مقامها، ويُحصِّلُ مقصودها، عند عامة العلماء؛ وذلك لأن "الغرض منه معقول، لا يُتمارَى فيه؛ فاقتضى ذلك إقامةَ غير الأحجار مقامَ الأحجار".
والجامد: هو كل ما قابل المائع؛ من الخل، وماء ورد، وسائر المائعات؛ لأن الشأن في الجامد أن يُنَشِّفَ الرطوبات، ولا يكون ذلك في المائعات؛ كما أفاده العلامة ابن القصار المالكي في "عيون الأدلة في مسائل الخلاف" (1/ 405، ط. مكتبة الملك فهد).
اقرأ أيضا:
فرض غرامة على المشتري الذي يتأخر فى السداد.. هل يجوز؟فإن آثر المُحدِثُ الاقتصار على استعمال الجامد دون الماء في الاستنجاء: فإنه بالإضافة إلى كونه جامدًا، فقد اشترط العلماء أيضًا عدة شروط؛ كانت كالضابط في تحديد نوع الجامد، ترجع في مجملها إلى كونه: جامدًا (منشِّفًا)، طاهرًا، قالعًا للنجاسة، غيرَ مُحترمٍ أو مطعوم، وبهذا يدخل فيه ما لا ينحصر من الجامدات؛ كما دل عليه كلام الإمام النووي السابق.
والمناديل الورقية أو الورق النشَّاف: هي مواد جامدة صُنعت لتُستَخدَمَ في التنشيف والتجفيف وامتصاص المواد السائلة (كالحبر أو الزيت)، وكما أفاد الخبراء أن أغلب صناعتها في الأساس تكون من لب الأشجار، وهو عبارة عن مزيج من الخشب اللين بنسبة 30% تقريبًا، والأشجار الصلبة بنسبة 70% تقريبًا، حتى إن الأطباء ينصحون بها بعض الحالات في عملية الاستنجاء، وأيضًا في تجفيف البشرات الدهنية، ونحو ذلك.
وهي بذلك لا تخرج عن معنى الخِرَقِ أو الدِّيباجِ أو الصوف أو القطن التي أجاز الفقهاء الاستنجاء بها، بل إن بعض هذه الأنواع أجاز بعض الفقهاء الاستنجاء بها مرتين؛ من كلا جانبيها، إذا لُفَّتْ على بعضها بحيث لا تتندَّى النجاسةُ، أو كانت ثخينة لا تتسرب النجاسة فيها من جانب إلى جانب، وهو المعنى المُراعَى أيضًا في تجويز بعض الفقهاء الاستنجاءَ بالجلد المدبوغ؛ لأن الدباغ يزيل منه ما فيه من الدسومة المانعة من التنشيف.
ولا يلتفت إلى القول بأن هذه المناديل لا تزيل النجاسة بالكلية؛ بل تترك بعض الأثر، أو تنقله عن محلها، وذلك لأن الأمر في الاستنجاء بالحجارة وما في معناها مبنيٌ على السعة والتخفيف؛ اختيارًا واستعمالًا:
أمّا اختيارًا: فيدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ!»: يريد بذلك تسهيل الأمر وتيسيره؛ لأن المحدِث لا يكاد يعدم مثل هذا؛ فهو أكثر الأشياء المستنجَى بها وجودًا وأقربها تناولًا.
وأمّا استعمالًا: فلأنَّ الحجر لا يزيل الأثر، وإنمّا يفيد الطهارة من طريق الاجتهاد، ولذلك احتاج إلى الاستظهار بالعدد؛ فإزالة أثر النجاسة على اليقين مما يتعذّر الوفاء به، وهو شأن غالب الجامدات، والتكليف بما تعذَّر الوفاء به لا يليق بالعزائم والواجبات، فأولى بما مبناه على التيسير والمعفوات.
ومع ذلك: فالمناديل والأوراق أفضل في الاستعمال من غيرها؛ لأنها أقوى على التنشيف والتجفيف، والإِنْقَـِــاء والتنظيف؛ لكونها مُعدَّة لذلك في أصل صنعها.
كما لا تدخل هذه المناديل الورقية أو الورق النشَّاف أيضًا تحت الورق المنهي عنه؛ لأن مرادهم بتحريم الاستنجاء بالورق: ما يكون منه محترمًا؛ لكونه آلة لكتابة العلم والمقدسات، فإذا لم يكن كذلك لم يدخل في التحريم، والأمر كذلك في المناديل وورق التنشيف؛ لأنه مُعَدٌّ لغرض التنشيف والتجفيف، صنعًا واستخدامًا.
وبناءً على ذلك: فيجوز الاستنجاء بالمناديل الورقية والورق النشَّاف من البول أو الغائط؛ قياسًا على معنى الحجر المنصوص عليه، وانتشارها في هذا العصر كانتشار الحجر في العصور السابقة، وهي داخلة فيما نص عليه الفقهاء من الجامدات الطاهرة؛ كالديباج والخِرَقِ والقطن والصوف، والجلد، ولا يضر كونها لا تزيل أثر النجاسة بالكلية؛ لأن الشأن في الجامدات أن الاستنجاء بها مبنيٌّ على العفو والسعة؛ اختيارًا واستعمالًا، وإزالتها على جهة اليقين مما يتعذّر الوفاء به، وليست من الورق المنهي عن الاستنجاء به؛ لأنها مُعدَّة للاستنجاء أصالة، بل استعمالها أفضل من كثير من الجامدات؛ لأنها أشد في التجفيف والتنشيف، وأبلَغ فـي الإِنْقَاءِ والتنـظيف.
أما قضية لمس الفرج فقد ذهب الأحناف إلى أن لمس الفرج لا ينقض الوضوءَ عند أمن الشهوة، وذهب الجمهور إلى أن لمس الفرج ينقض الوضوء سواء أدى هذا اللمس إلى حدوث الشهوة أم لا.
ولا مانع أن يقلد السائل أيًّا من المذهبين المذكورين.
اقرأ أيضا:
هل الزواج بأحد قدر مكتوب أم قرار واختيار من الإنسان؟